awscNote

ثلاث رواد في علم المناخ, اولهم امرأة نسيها التاريخ

قدّمت النِّساء على مَر التّاريخ الكثير من المساهمات الجوهرية الهامة في المجالات العلمية, وذلك بالرغم من العقبات والتضييقات العديدة التي واجهتهن، منها فرص التعليم الأساسي، الجامعي وفرص العمل. وقد لا يُخفى عن علمكم، فلم تلقى تلك العالمات ولا حتى القليل من الفضل لعملهن، ففي معظم الأحيان، تم التغاضي عن الذكر أو الإعتراف بدورهن, أو تم ربط مساهمتهن بأسماء زملائهن الرّجال.التقطت روزالين فرانكلين صور الأشعة السينية لجزيء الحمض النووي (DNA) التي سمحت لجيمس واتسون وفرانسيس كريك بالتوصل لشكل هذه الجزيئات، لكن هي بدورها لم تحصل على أي تقدير يُذكر.

في ناسا، ساعدت كل من كاثرين جونسون، دوروثي فوغان وماري جاكسون (إلى جانب عدد لا يحصى من عالمات الرياضيات الأخريات) – في هندسة مركبة فضائية وحل معادلات لإطلاق رائد الفضاء جون جلين إلى مساره الفلكي في عام 1962. لكن مساهماتهن هذه بالكاد تم التعرف عليها.

هذا النوع من الاعتراف والتقدير افتقدته العديد من العالمات اللواتي لم يتم منحهن حق التأليف في أوراقهن البحثية؛ فتم نسيان عملهن.

عالمة أُخرى يَندَرِج إسمها في هذه القائمة؛ هي يونيس فوتيه (Eunice  Foote), التي تُعتبر أوّل عالمة أنثى في علم المناخ.

يُعتبر علم المناخ قضيّة عالميّة بغاية الأهمية في عصرنا هذا، فتأثيرات الإحتباس الحراري تهدد كيان المخلوقات الحية ومخطط الإنسان على الأرض وفضائها. عدا عن تصدرها للعنواين الرئيسية من حين لآخر، فإنّ الإحتباس الحراري يشد العديد من المبادرات التكنولوجية، الرؤى الدولية والأهداف التي تعمل لأجلها المؤسسات الغير ربحية.

منذ ما يقارب قرن ونصف من الصناعة، تم إزالة مساحات ضخمة من الغابات لتخدم البناء والإعمار المادي، نمو الاقتصاد، ارتفاع مستويات المعيشة وغيرها من أمور عديدة يفعلها الإنسان، التي تسبب بارتفاع كمية الغازات الدفيئة بالجو الى مستويات قياسية لم نشهدها منذ 3 ملايين عام.

كيف توصّل العُلماء لعلاقة الغازات الدفيئة والإحتباس الحراري؟ وما هي مساهمة العالمة يونيس فوتيه لهذا المجال؟

تدور قصة يونيس فوتيه قبل قرن من الزمن التي عاشته النّساء المذكورات أعلاه, اذ كانت فوتيه عالِمة هاوية آنذاك, أجرت في سنوات ال1850 بعض التجارب الأولى لإستكشاف تأثير الغازات المختلفة في الغلاف الجوي على “حرارة أشعة الشمس”.
بواسطة إستخدام أسطوانات زجاجية، كل منها يحتوي على مقياس حرارة، وجدت يونيس أن تأثير تسخين الشمس كان أكبر في الهواء الرّطب من الهواء الجّاف، وأنه كان الأكبر في أسطوانة تحتوي على ثاني أكسيد الكربون (CO2). من تجربتها البسيطة هذه، توصلت إلى نتيجة أن ثاني أكسيد الكربون من شأنه أن يتسبب في إرتفاع درجة حرارة الأرض, أي بكلمات اخرى ربطت ولأول مرة العلاقة ما بين ثاني أكسيد الكربون وارتفاع درجات الحرارة المناخية.

نظريتها هذه توقعت حدوث الإحتباس الحراري التدريجي الذي يحدث في يومنا هذا والمسمى ب” the greenhouse effect”.

تم تقديم عملها عام 1856 في الإجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم (AAAS) – ليس من قِبَلِها، بل من قِبَل عالِم اخر لكونه رجل، حتى أنه لم يُسنح لها الرد على الأسئلة. وبطبيعة الحال (المؤسف آنذاك) لم يُسمح لها بنشر مقالها في المجلات المرموقة في زمنها !

بعد بضعة سنوات من إكتشافات يونيس فوتيه، ظهر الفيزيائي الشهير جون تيندال، الذي له، بشكل مغلوط، يُنسب الفضل في تأسيس علم المناخ.
بتجاربه الأكثر تعقيدًا إستطاع إثبات أن تأثير الإحتباس الحراري على الأرض يأتي من بخار الماء وغازات أخرى اولها ثاني أكسيد الكربون. في منشوره، ذكر تيندال عالِم آخر قد إعتمد على استنتاجاته, ولكنّه لم يَذكُر يونيس فوتيه على الإطلاق.

في عام 1938, ظهر المهندس غاي ستيوارت  كالندار، الذي له بصمته في علم المناخ، وقد كان يهوى تجميع بيانات عن الإحتباس الحراري في أوقات فراغه. فقام بجمع قراءات درجات الحرارة من 147 محطة أرصاد جوية حول العالم. لم يقم أحد بجمع مثل هذه البيانات من قبل، وعندما قارنهم بالقياسات التاريخية لثاني أكسيد الكربون، اكتشف نمطًا واضحًا. لقد اثبت كالندار ان الاحتباس الحراري يحدث حقًا, بل واظهر ان لحرق الوقود الاحفوري على يد البشر جزء كبير في تسببه. تسمى هذه الظاهرة “Callendar Effect” على اسمه. رفض العديد فكرة أننا نحن البشر يمكن أن نؤثر على شيء ضخم مثل مناخ الأرض، بل لا يزال يصعب تصديقها بالنسبة للكثيرين حتى في يومنا هذا!

لنستمر لعام 1958، حيث كان زملاء الكيميائي تشارلز كيلينج يدرسون العلاقة بين الحموضة في المحيطات وبين ثاني أكسيد الكربون. حتى ذلك الحين، كان الاعتقاد السائد هو أن المحيطات تمتص بسرعة معظم ثاني أكسيد الكربون، لتخرجه من الغلاف الجوي. يتضح ان هذا لم يكن صحيحًا بحسب تجارب كيلينج.

قام كيلينج بالبحث عن بقعة بعيدة قدر الإمكان عن تلوث المدن والصناعة، ليذهب لوسط شمال المحيط الهادئ، تحديدا إلى بركان “Mauna Loa” النشط في هاواي. قراءاته هناك اثبتت أمرين; الأول أن تركيز ثاني أكسيد الكربون يرتفع وينخفض حسب الفصول، ولكن اذا نظرنا الى الصورة كاملة فنجد ان تركيزه اخذ بالازدياد مع مرور السنين, وهو الامر الثاني الذي أثبته.

بدأ كيلينج بنشر قرائاته في رسومات بيانية، ليظهر ما يسمى بعلم المناخ “Kneeling curve” وهو الخط المنحني لتركيز ثاني أكسيد الكربون الآخذ بالتصاعد.

بتلخيصًا للسنوات السابقة، فقد مرّ أكثر من 160 عامًا منذ أن اقترحت يونيس فوتيه سبب الإحتباس الحراري، أكثر من 80 عامًا منذ أن أظهر كاليندار أن النشاط البشري يؤثر على حرارة كوكبنا، وأكثر من 60 عامًا منذ أن أظهر كيلينج أن ثاني أكسيد الكربون يرتفع بمعدل ينذر بالخطر.

نرى اليوم, بتقاعس ما, تغييرات عالمية كثيرة بهدف الحد من الإحتباس الحراري. ولكن من الجهة الاخرى، نجد ان مكانة المرأة في العلوم لم تتغير كما وجب عليه. فحتى عام 2020, اقل من 30% من العلماء في العالم هن نساء!

ان انتقال العالم الى الاقتصاد الأخضر للخفض من تركيز غازات الدفيئة وتحقيق التنمية المستدامة يحتاج وقتاً طويلاً ويتطلب تعاونًا ثابتًا من كافة شرائح المجتمع. نظرًا لأن القضايا المتعلقة بعدم المساواة الاجتماعية والتدهور البيئي وعدم الاستقرار الاقتصادي لا تزال تشكل تهديدًا رئيسيًا للتقدم نحو عالم أخضر وامن مستقبلا، فإن لكل فرد دور يلعبه في تسريع حركة الاقتصاد الأخضر في جميع أنحاء العالم.

في ظل هذا المنظور، يتضح لنا بشكل حاسم الدور الذي تمارسه النساء والذي يعد دوراً أساسياً في هذه الحملة القوية لبناء مستقبل مستدام للجميع. فقد برزت نساء كثيرات على مر القرون وما زلن يقفن في الصدارة باستمرار.

لا تزال هناك حاجة ماسة إلى المزيد من القيادات النسائية في المجال لتسريع تحقيق هذا الهدف. لكي نصل إلى ذلك يتوجب على صانعي السياسات والقرارات المساعدة في تمكين المرأة وتقديم كل الدعم الحيوي لها لضمان حصولها على المساواة في الوصول إلى جميع الفرص المتاحة. ففي خضم التهديد المستمر لتغير المناخ ينبغي أيضًا اعتماد سياسات وتدابير رئيسية تتيح وتمكن المرأة من إتخاذ دور أكبر في جهود كل دولة للتحول إلى اقتصاد أخضر وبناء عالم أفضل للأجيال الحالية والمقبلة.

 

 

المقال الاصلي:
https://archive.org/stream/mobot31753002152491#page/381/mode/2up

https://www.un.org/en/sections/issues-depth/climate-change/

https://en.unesco.org/news/just-30-world%E2%80%99s-researchers-are-women-whats-situation-your-country

https://www.youtube.com/watch?v=gnw3Ly7c-zM&feature=emb_title

 

awscNote

اكتشاف الجرعة الأنسب لاستخدام القنب الطبي

القنب، الماريجوانا، هي أحد أنواع النباتات التابعة للعائلة القنبية “Family cannabinaceae”، لها مفعول مخدّر وتعتبر من أقدم المخدّرات المعروفة. على الرغم من استخدامها لأغراض طبيّة منذ ما يقارب الـ 5000 سنة، إلا أن موضوع تشريعها للاستخدامات الطبية لا يزال مثيراً للجدل ويختلف في نقاشه عدد كبير من الخبراء وحتى الأطباء.
دعونا نتعرف على هذه النبتة، وعلى تلك المواد الطبية التي يأمل كثر أن تكون سرّ شفاء البعض.
يحتوي القنب ومنتجاته على ما يقارب 480 مادّة مخدّرة “Cannabinoids” عزلت من نبات القنب الأم ويتم استخدامها لأغراض ترفيهية، دينية، روحيّة والأهم طبيّة. المكوّنان الأشهر والتي ارتبط اسمهما بإمكانية استخدام القنب طبيًّا هما: الكانابيديول Cannabidiol (CBD)والتتراهيدروكانابينول Tetrahydrocannabinol (THC).
المادة الأكثر فعالية وإثارة للجدل هي مادةTHC ، والسبب في ذلك هو أن تركيبتها الجزيئية تصل إلى الدماغ البشري بشكل سريع جداً ممّا يؤدي إلى شعور الشخص بنشوة الإرتقاء الناتجة بشكل شبه فوري عند تدخين القنب، إلا أن أثر وبقايا هذه النشوة مختلفة عن أثر وبقايا نشوة مادة الـ.CBD Cannabidiolعلى الرغم من أن مادة THC تمتاز بفوائد صحية إلا أن تأثيرها على حالة الشخص الذهنية والنفسية هو أمر غير محبّذ من قبل الكثيرين لأن التأثير قد يكون مضاعفًا مقارنةّ بتأثير مادة CBD التي يمكن أن تقدّم الفوائد نفسها دون إحداث أي مضاعفات تأثيرات نفسية إضافية وهذا هو الاختلاف الأساسي بين المادتين والذي أدّى الى اثارة الجدل.
يعاني العديد من مستخدمي القنب الطبيّ من كون المادة الرئيسية المسكنة للألم THC مصحوبة أيضًا مع قدرة على تشويش الإدراك الدّماغي ممّا يعني أن التخفيف من الألم يتداخل مع الحياة اليومية ويؤثر عليها سلبًا.
المشهد البحثي حتى الآن معقّد بعض الشيء إذ تظهر بعض الدراسات أن الماريجوانا قد توفّر الراحة للمرضى في مختلف الحالات مثل القلق والألم المزمن وحتى السرطان، ومع ذلك يجد آخرون أن الدواء يمكن أن يبطئ الوظيفة الإدراكية، وقد يؤدي إلى تفاقم بعض حالات الصحة العقلية.
هنا تكمن أهمية تحديد الجرعات وتركيز النبتة كاستعمال طبي. لكلّ جرعة مضاعفات مختلفة وحتى الآن لا نعرف بشكل دقيق ما هي الجرعة الأمثل والتي تحقق الهدف الطبيّ المراد منه بدون مضاعفات جانبية غير محبّذة.
SyeqMedical، شركة بيو-تكنولوجية إسرائيلية، أجرت تجربة سريريّة بهدف أن تثبت أن جرعات منخفضة التركيز من THC المستنشق بإمكانها تخفيف الآلام بشكل فعّال مع تجنّب الآثار الجانبيّة الشائعة المرتبطة باستخدام القنب. بكلمات أخرى، تظهر الدراسة أن القنب الطبي له تأثير أكبر علينا من ما كنّا نعتقد، وأن تركيز قليل فقط من القنب يمكنه أن يفي بالغرض ويحقّق نفس الفوائد التي يحقّقها تركيز مرتفع.
الدّراسة التي نُشرت في المجلّة الأوروبية European Journal of Pain هي لتأكيد علمي على أن الجرعات الدقيقة “microdosing”، أي استخدام جرعات منخفضة للغاية من مركّبات الأدوية الفعالّة، ناجعة باستخدام القنب الطبي أيضًا. أجريت الدراسة في مركز رامبام الطبي وفحصت مستويات THC في الدم، مستوى الآلام، القدرة الادراكية والنشاط النفسي. تظهر نتيجة البحث أن الجرعة الفعالة الأمثل هي 500 ميكروغرام من THC فقط، بينما يستهلك مريض يستخدم القنب 150000 ميكروغرام THC يوميًّا.
يستخدم بعض المرضى، بتشجيع من أطبائهم، القنب بالفعل بجرعات دقيقة لكن هذه الطريقة خضعت لأبحاث محدودة جدًّا ولا يُعرف مدى نجاعتها وسلامتها بعد. يقول بيري ديفيدسون, CEO الشركة، أنّ دراستهم تقدّم أدلّة مهمّة لإثبات أن الجرعات الدقيقة (microdosing) هي فعّالة وبهذا تساعد باستخدام طبي أنجع.
أجرت شركة SyqeMedical البحث لأن الشركة تصنع جهاز استنشاق فريد من نوعه الذي يمكن برمجته لجرعات دقيقة جدًّا من ال THC ويدعي ديفيدسون أن النتائج تشير إلى فائدة هذه التكنولوجيا.
من الجهة الأخرى، أجريت التجربة على 27 مريض وهو عدد قليل من المشتركين، وركّزت على العوارض الجانبية قصيرة المدى، لذلك لا يمكن التوصل إلى استنتاج حول سلامة فعاليّة جرعات THC الدقيقة بالمدى البعيد. أيضا، بطبيعة الحال لكلّ شخص تفاعل مختلف مع الادوية ومسكّنات الآلام، إذ أن قدرة تحليل الدواء حتى العوارض الجانبية تختلف جدًّا من شخص لشخص، لذلك قد يحدّ البحث من استعمال مفرط وغير ضروري للقنب الطبي، ولكن لا يزال هناك حاجة لبحث أعمق لمعرفة الجرعات الدقيقة بشكل فردي أكثر.

https://books.google.co.il/books?id=qH-2Lj9x7L4C&pg=PP28&redir_esc=y#v=onepage&q&f=false
https://www.discovermagazine.com/mind/what-science-knows-about-marijuanas-health-benefits
https://m.ynet.co.il/Articles/5756215

awscNote

إيلون ماسك: “نيرولينك” والذّكاء الإصطناعي

لا يمكننا أن نتحدّث عن التّقدم الهائل للتكنولوجيا من دون ذكر العبقري إيلون ماسك، رجل أعمال من أصول كنديّة وجنوب أفريقيّة، يقف وراء تأسيس عدة شركات رائدة منها شركة “Tesla” للنّقل المستدام والسيّارات الكهربائيّة، وشركة “SpaceX” الخاصّة المختصّة بهندسة الطيران، الفضاء الجوّي والرحلات الفضائية التّجارية. من خلال هذه الشركات، أظهر ماسك دائمًا عزيمته وإصراره، وقوّة إيمانه بطموحاته وخططه لصنع تغيير تكنولوجي عالمي، أو كما يعتبره البعض، ثورة تكنولوجيّة لا تقلّ عن سابقاتها.
آخر نجاحات ماسك كانت إطلاق شركته، “سبيس إكس” (“SpaceX”)، أول روّاد فضاء أمريكيين مستقلّين المركبة الفضائية “Crew Dragon” وصاروخ “Falcon9” إلى الفضاء من الأراضي الأمريكية منذ عقد من الزمن، وهي المرّة الأولى في التاريخ التي تقوم فيها شركة خاصّة بهذا العمل المميّز بتقنيّات عالية، بالقدرة الكاملة على التحكّم الذاتي وبالإستخدام التكراري.
تعدّد المواهب الخارقة لإيلون ماسك ستأخذ مقالنا لهذا الشهر إلى عالم مختلف نوعًا ما، يحمل موضوع آخر ولربّما ثورة أخرى. موضوع قامت الأفلام العلميّة الخياليّة بتسليط الضوء عليه في الكثير من الأحيان، ويطمح ماسك بجعله واقع من الخيال! ففي حين أنّ العالم ينشغل بقضيّة الاحتباس الحراري وإمكانيّة انقراض البشريّة، يهتم ماسك بشدّة بتهديد وجودي آخر؛ وهو تقدّم الذكاء الإصطناعي. * مؤتمتة أي Automated
“نيرولينك” (“Neuralink”)، هي شركة تكنولوجيّة ناشئة لتطوير تقنيّات عصبيّة والتي شارك ماسك في تأسيسها عام 2016، حيث يطوّر من خلالها جهاز “تواصل للجهاز العصبي” و المعروف علميًا بـِ”واجهة الدّماغ والجهاز” (“Brain-Machine Interfaces”) الذي يمكن زرعه في الدّماغ البشري.
تهدف هذه الشركة إلى تطوير آليّة تعمل على ربط الدّماغ مباشرةً بالحواسيب والأجهزة الالكترونية الأخرى، وذلك عن طريق أقطاب كهربائيّة. الجهاز الذي يتم تطويره يحتوي على 96 سلك بسمك 4-6 ميكرومتر (μm) أي أرفع من شعرة الانسان، كل سلك منهم يحتوي على 32 قطب كهربائي (“electrodes”)، أي 3072 قطب إلكتروني بالمجمل داخل شريحة واحدة بكبر 5 مليمتر. من خلال هذه الأقطاب الكهربائية يستطيعون جمع معلومات فيزيولوجيّة كهربائيّة هائلة في لحظة واحدة ومن أكثر من منطقة في الدماغ. هذه المعلومات ستُستعمل لفهم العقل البشري ولتطوير الذكاء الإصطناعي، بالإضافة إلى ذلك، هذا الجهاز سيسمح لعقولنا بالتواصل المباشر مع الحواسب الآليّة، بهدف التمكّن من تشغيل مناطق معيّنة في الدّماغ عبر هذه الأقطاب الكهربائيّة.
لكي نفهم الصورة بشكل أوضح؛ دعونا نتذكّر كيف تعمل أدمغتنا. الدّماغ هو العضو الرئيسي في الجهاز العصبي، فهو الذي يجمع المعلومات، يحلّلها ويسيطر على كيفيّة رد الفعل لباقي أعضاء الجسم وحواسه. يعمل الدماغ من خلال شبكة كبيرة من الخلايا العصبية (“neurons”) التي تتواصل عبر ناقلات عصبيّة في نقاط الإتصال المعروفة بإسم المشابك العصبيّة (“synapses”). يتم إطلاق هذه النّاقلات العصبيّة إستجابةً لتصاعدات كهربائية تسمّى جُهد العمل (“action potential”). فعمليًّا كل ما ندركه، نشعر به، نسمعه، نفكّر فيه ونفعل بحسبه هو في الأساس إشارات كهربائية.
من خلال إدخال خيوط أقطاب كهربائيّة دقيقة إلى داخل الدماغ، يمكن للـِ”نيرولينك” اكتشاف وتسجيل جُهد العمل وتحفيز الخلايا العصبيّة بشكل إنتقائي عبر مناطق مختلفة في الدّماغ. سيتم “زرع” هذه الخيوط بدقّة بواسطة الليزر (بدون حاجة لعمليّة جراحيّة) لتقليل الأضرار على الدّماغ ولضمان دقّة العمليّة. مُرفق لهذه الخيوط أجهزة إستشعار التي سيتمّ توصيلها لاسلكيًّا عبر تقنيّة “البلوتوث” بتطبيق ملائم عبر الهواتف الخلويّة الذكيّة.
بعد نجاح التجارب على الجرذان، ومن ثمّ نجاحها بتمكين قرد من التحكّم بحاسوب عن طريق “استخدام دماغه”، تُخطّط “نيرولينك” لإجراء تجارب بشريّة في هذا العام من خلال هذه التقنيّة، حيث يتمركز العمل حاليًّا على تقديم علاج طبّي لأمراض دماغيّة متعدّدة كالصّرع وأيضًا لتقديم المساعدة لأشخاص مصابين بالشّلل.
ولكن من المثير للإهتمام أن الهدف طويل الأمد الذي يعمل عليه إيلون ماسك هو مواكبة الإنسان للذكاء الإصطناعي الذي يمكّنه من التفكير بشكل أسرع من القدرة البشريّة، وبالتالي يمكّننا من “الإندماج” معه والتطوّر معه ومن خلاله.
في الحقيقة، يدّعي ماسك أن “البشر في هذا الحين هم كائنات مؤتمتة*”. مع اعتمادنا الكبير على هواتفنا، أجهزة الحواسيب والشبكات العنكبوتيّة وثورة الحوسبات السّحابية والتعلّم الآلي العميق، فإنّ الاختلاف الوحيد بين الوضع الحالي وبين التّكافل مع الذكاء الإصطناعي هو أن “معدّل البيانات” أو “سرعة الاتّصال” بيننا وبين الإلكترونيّات في الوقت الحالي بطيء للغاية.
من خلال تسهيل وصول سريع للمعلومات وزيادة القدرات الفكريّة، يمكن للـِ”نيرولينك” أن تتيح للمستخدمين نموًّا كبيرًّا في الإنتاجيّة وللذكاء الفكري بكبسة زرّ محوسبة واحدة. توسّعت النقاشات أيضًا للنظر في إمكانية إلغاء التواصل اللّفظي من خلال هذه التكنولوجيا المستقبليّة، مع إعطاء جدول زمني محتمل من خمس إلى عشر سنوات. إذا كنتم تشعرون ان ما تقرأونه الآن هو حلقة أخرى من مسلسل “Black Mirror”، فأنتم لستم الوحيدون!بطبيعة الحال، فإنّ القلق الرّئيسي لهذه التكنولوجيا هو الأمن، إضافةً لإختراق خصوصيّة الانسان (التي يمكننا التساؤل حول وجودها حتى في أيّامنا هذه مع ما تقدّمه وتأخذه كبرى الشركات الرائدة تكنولوجيًّا من معلومات). قد يكون إختراق هاتفك أو جهاز الحاسوب الخاص بك أمرًا مُزعجًا، ولكن عندما تؤثر التكنولوجيا بشكل مباشر على عمل دماغك، فإن المخاطر ضخمة أكثر بكثير. فيجادل العديد من علماء الأعصاب بأهميّة سنّ قوانين جديدة تتماشى مع هذا التقدّم من أجل حمايتنا، إذ أنّ القوانين الحاليّة ليست معدّة ومجهّزة لمعالجة مثل هذه الأمور وغير مواكبة لهذه التطوّرات على الإطلاق.

بالفعل، بدأت بعض البلدان بالتفكير بكيفيّة التّعامل مع ما أسموه “حقوق الأعصاب”. في دولة تشيلي على سبيل المثال، وافقت الحكومة في شهر أكتوبر من العام الماضي (2019) على توفير الدّعم الرسمي لأجندة حماية الأعصاب التي تجعل حماية بيانات الدّماغ حقًا من حقوق الإنسان. في أوروبا، تبنّت منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية (“OECD”) مجموعة من تسعة مبادئ جديدة لضبط وتنظيم إستخدام بيانات الدماغ – وهو النموذج الدُّولي الأوّل في هذا المجال.

إذن، هل أفرط إيلون ماسك وفريقه في طموحهم في هذه المهمّة الثوريّة؟ إذا لم نتمكن من التغلّب على الذكاء الإصطناعي، فهل الخيار الأفضل هو الانضمام إليه؟ لا يمكن إنكار التأثير الملموس للـِ”نيرولينك” على الجانب الطبّي، ولكن هل هو فعلًا الهدف الحقيقي من وراء هذه الجهود؟ كيف سيتطوّر استعمال هذه التقنيّة؟ وما هي الإستخدامات الإيجابيّة والسلبيّة الأخرى المتوقعّة؟. كيف لهذه التكنولوجيا أن تأثّر على مجاليّ التعليم والأبحاث؟ هل ستستطيع هذه التكنولوجيا من التغلّب على طبقيّة نسب الذكاء أم أنها ستخلق طبقية أكبر؟ من الواضح أنّ الـ”نيرولينك” تترك لنا أسئلة أكثر من الإجابات حول المسار المحتمل للتطوّر البشري. فلنواكب هذه التطورات بحذر وشغف!

“I think it is possible for ordinary people to choose to be extraordinary” – Elon Musk
“أعتقد أنه من الممكن لأشخاص إعتياديّين الإختيار بأن يصبحوا إستثنائيّين” – إيلون ماسك.

https://www.biorxiv.org/content/10.1101/703801v1
https://www.vox.com/2019/8/30/20835137/facebook-zuckerberg-elon-musk-brain-mind-reading-neuroethics

awscNote

كورونا، بُعد إجتماعيّ وقُرب علميّ

مع إجتياح فيروس COVID-19 او المعروف بفيروس “كورونا” لمعظم دول العالم، ظهرت أهمية البحث العلمي لكونه الوحيد القادر على تخليص البشرية من هذا الوباء، وهو ما فرض على العالم أن يعيد ترتيب أولوياته في هذه الايام، ليقفز الملف الصحي الى مقدمة تلك الأوليات ومعه ملف البحث العلمي بوصفه المنقذ لنا.إتّجهت الأنظار الى أصحاب الرداء الأبيض وخصصت نشرات الأخبار وبرامج الإعلام مساحة واسعة للأطباء، العلماء والباحثين, باحثة منهم عن بصيص أمل. ربما أكثر من أي وقت مضى، يتفاعل الناس بشكل مباشر مع العلم. فمن صغيرنا حتى كبيرنا نراقب التطورات، نقرأ النصوص الطويلة ونحدّق بالرسوم البيانية ونحللها بشكل يوميّ.

في حين تسابق رؤساء كبرى الدول بنشر الأعلام الوطنية والمصطلحات العسكرية، وتعريف التوصّل إلى تطعيم وعلاج لفيروس “كورونا” على أنه “واجب قومي”، ازداد الحديث عن “سباق عسكري بيوتكنولوجي”, وفي بعض الأحيان ولد نوعا من العنصرية والتفكير النمطي.

لم يرق للعلماء هذا التوجه، فقاموا بدورهم بالعمل بطريقة لم تحدث في تاريخ البحث العلمي، اذ في الوقت الذي قام فيه رؤساء الدول بإغلاق الحدود، سارع الباحثون بتحطيمها، مما أدى إلى خلق تعاون دولي لم يحدث مثله من قبل، بهدف حماية البشرية.

 

عادة، تكون هناك سرية شديدة بين الباحثين؛ نتائج أبحاثهم تعني تمويل، ترفيع أكاديمي وتثبيت، لهذا يحرصون على إخفاء معلوماتهم  وعلى التشبث ببذور أفكارهم. لكن تخلى الباحثون هذه المرة عن فكرة السبق البحثي وتعاونوا للعمل سوية في الإبتكار، مشاركة التقنيات وتفضيل المهنية العلمية عن المصلحة الشخصية القومية. هذه الطريقة تسمى بالعلم المفتوح، تتيح فتح 3 أمور للجميع وبشكل مجاني والتي هي: بيانات، منشورات ومصادر تعليمية. لم تكن كل هذه المصادر متاحة للجميع قبل وجود فيروس كورونا، بل وغالبا ما تكون باهظة الثمن وصعبة المنال.

في حين أن جميع هذه التطورات إيجابية، من الجدير بالذكر ان استخدام هذه المصادر يجب أن يتم بشكل مسؤول من قبل الباحثين والجمهور. من المهم دائما التحقق من شروط الابحاث ومتابعتها بعناية عند استخدام بيانات الآخرين. متابعة مصادر مختلفة ومقارنتها تمكن القارئ من التأكد من صحة الأمور. على الأرجح اننا سمعنا بالدراسة التي تظهر تشابه في الحمض النووي لفيروس كورونا مع الحمض النووي لفيروس نقص المناعة البشرية HIV, منها ما يغذّي نظريات المؤامرة على ان الفيروس من صنع بشري. لقد تم نقد هذه الدراسة بشدة,  بل وتم سحبها. بالرغم من ذلك فقد تصدرت هذه الدراسة المسحوبة قائمة الدراسات الاكثر مناقشة في العالم، في المصادر الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي، وفقًا لموقع الترتيب الأكاديمي Altmetric. يصح القول ان العلم المفتوح أمر حيوي لمواجهة التحديات الكبيرة في العالم. ولكن عندما يتم إساءة استخدام المعلومات أو إساءة تفسيرها على المستوى العالمي بهذه السرعة، فإننا نحتاج أيضًا لعناية فائقة ومسؤولية بالتعامل معها.

على الصعيد المالي، تلقت أبحاث الكورونا مليارات الدولارات من الحكومات والمؤسسات المختلفة بل وحتى من المشاهير والافراد. لكن للأسف، ليس هذا هو الحال مع باقي مجالات العلوم, فقد فرض هذا الوباء التوقف الزمني نوعا ما لأي بحث علمي ليس له صلة بفيروس كورونا.

 بموجب تعليمات الحجر الصحي، تم اغلاق العديد من المختبرات كتلك التي تساهم في فهمنا لعلم الاحياء، الامراض، التطور، الفضاء وغيرها من الأبحاث التي لا تحصى. 

أحد أهم التحديات العلمية في عصرنا، على سبيل المثال, هو مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية, الذي يتسبب بمقتل 700 ألف شخص سنويا بحسب منظمة الصحة العالمية, وإن لم نتمكن من حل هذه الأزمة فقد يتسبب الأمر بموت 10 ملايين من الأشخاص لحد عام 2050. هناك حاجة ماسة لأدوية جديدة تُحارب هذا الوضع الخطير، ولكن الدراسات معلّقة لفترة لا نعرف مدتها. لذلك، من الجدير بالذكر ان التركيز على موضوع علمي واحد وتهميش آخر في هذه الفترة قد يؤثر سلبا على مجالات مختلفة في آن واحد.

مثال آخر هو الدراسات على فئران. هذه الدراسات تتطلب عدد كبير من الفئران في عمر معيّن ومن سلالة معينة مهندسة جينيا. إغلاق المختبرات يؤدي الى توقيف هذه الدراسات لأشهر او حتى سنوات، الأمر الذي يؤخر التوصل لنتائج جديدة ومشاركتها مع شركات صناعية. الأنتكاس في الأبحاث على الحيوانات له تأثيرات هائلة في قدرتنا على فهم وعلاج الأمراض البشرية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تكون الاكتشافات التي يتم إجراؤها في النماذج الحيوانية بمثابة وقود لتطوير العقاقير. 

إضافة الى ما ذكر حتى الآن، اعرب العديد من العلماء عن قلقهم تجاه الوضع الإقتصادي وتمويل البحث العلمي بعد انتهاء الوباء. في الوقت الذي يتم فيه إعادة تخصيص الواقع الاقتصادي لهذا الوباء وتمويل برامج إغاثة من أجل النهوض بالبلاد وتشغيلها مرة أخرى، ماذا سيكون حال تمويل البحث العلمي؟ .

 

تضاءُل التمويل المستقبلي في أعقاب الوباء، سيعيق تقدم دراسات جارية، ويصعّب بدء دراسات جديدة. في دول كاليابان، جنوب كوريا وألمانيا، كانت السيطرة على هذا الوباء ملفتة للأنظار، اذ تتصدر هذه الدول أعلى القائمة بالإنفاق على البحوث العلمية، بحسب آخر احصائيات نشرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO).  

في النهاية، يشبه هذا الوباء كارثة طبيعية  من نواحي كثيرة; بمجرد وقوعه، نحاول اتخاذ الاحتياطات والحفاظ على ما نستطيع, لكننا لن نعرف حجم الكارثة الا حتى يختفي غبارها. من بين الأمور التي سنأسف عليها كثيرا، قد نأسف أيضا على عرقلة التقدم العلمي.

الوباء الذي يعيشه العالم حاليا أثبت قطعا ان العلم ضرورة وليس كمالية. فهل يعيد الوباء الاعتبار الى البحث العلمي بوصفه أولوية تتقدم غيرها؟ هل تساهم الدول – نفسها التي حاربت مخصصات هذا القطاع وقلّصت ميزانيته – بإعادة العلم الى الواجهة؟  هل يربط فيروس كورونا بين البحث العلمي وبين المجتمع ليبني مجتمعات واعية وفعالة لتغيّر السياسة العامة؟ 

فإن غدا لناظره قريب. دمتم سالمين ودام علمنا نور.

  1. https://www.nytimes.com/2020/04/01/world/europe/coronavirus-science-research-cooperation.html
  2. https://www.altmetric.com/details/74957328/news
  3. https://www.who.int/antimicrobial-resistance/interagency-coordination-group/final-report/en/
  4. https://edition.cnn.com/2020/03/31/health/coronavirus-hinders-scientific-progress-scn/index.html