awscNote

أبرز ما جاء في 2021

يحمل كل عام في طيّاته تحدّياتٍ علميّةً جديدة واختراقات بحثيّة في مجالاتٍ رائدة تهدفُ لتطوير تقنيّاتٍ، بعضها توظّفُ لاحتواء كارثة وبائيّة وتنقذ أرواحًا من موتٍ محتّم، في حين تُستثمر مساعٍ أخرى على بعد سنين ضوئيّة في اكتشافِ إمكانية حياةٍ على كوكب آخر.  في هذا المقال نحاول حصر العناوين في أبرز ما جاء في عام 2021، وقد كانت سنةً علميّة حافلةً بحقّ، ننكشف على الاكتشافات والأحداث العلميّة فيها، ونهيّئ أنفسنا لاستقبالِ عامٍ جديد من التحدّيات والإنجازات العلميّة. 

 

1. Covid 19: طفرات جديدة وسلاح جديد في ترسانة محاربته

للسنة الثانية على التوالي، قبع العالم تحت خطر جائحة كورونا، تمركزت المحاولات الحثيثة في هذا العام لرفع مستويات التطعيم حول العالم، حيث صادقت منظّمة الصحّة والدواء الأمريكيّة على بدء تطعيم الأطفال فوق سن الخامسة، ودخلت هذه التوصية حيّز التنفيذ في كثير من الدول حول العالم. أمّا من حيث المستجدّات على صعيد الجائحة، فقد تمخّضت هذه السنة عن متحوّر جديد لفيروس كورونا أطلق عليه اسم أوميكرون، الّذي ظهر وبدأ بالانتشار خلال الشهريْن الأخيرين من العام ومصدره قارّة أفريقيا، وتحديدًا جنوبها. أثار هذا المتحوّر في بادئ الأمر مخاوف وقلق الدول والعلماء، لكن ما هدّأ قليلًا من حدّة القلق، كون الأبحاث الأولية على من أُصيبوا بعدوى هذا المتحوّر، قد أظهرت بأنّه أشدّ عدوى لكنّه في المقابل ذو أعراض ليست بأكثر حدّة من سابقه دلتا وكورونا الأوّل، وبأنّ التطعيمات المتاحة ناجعة في الوقاية منه. وفق منظّمة الصحّة العالميّة، قد تمّ رصد متحوّر أوميكرون في أكثر من 89 دولة حول العالم حتّى الآن. 

بالإضافة إلى تطوير التطعيم، فالإن الإنتاج الأبرز على صعيد التطويرات العلميّة والطبيّة هذا العام، هي الحبوب المضادّة للفيروسات التي طوّرتها شركة فايزر، حيث أعلنت أبحاث الشركة بأنّها تثبط الأعراض، وتمنع الوفاة إذا تمّ تناولها مبكّرًا بما فيه الكفاية بعد الإصابة. وتشير النتائج التي نشرتها شركات الأدوية فايزر وميرك، إلى أنّها قد تمنع بنسبة 30٪ إلى 89٪ من الحالات من المكوث في المستشفى.

أما على الصعيد المجتمعي، فعلى ما يبدو، فإنّ نهاية هذا العام ليست بأفضل حالٍ من حيث الإغلاقات والتقييدات، التي ستفرضها دول كثيرة على سكّانها وعلى قطاع السياحة، حيث بدأنا بالفعل نشهد تعليقًا ومنعًا للسفر حول العالم في كثير من المطارات، وإلغاءً للتجمّعات الاحتفاليّة المقرّرة والمعهودة في هذه الفترة من العام، تزامنًا مع الأعياد المجيدة. فأنظارنا معلّقة نحو ما سيحمله العام الجديد لنا من تطوّرات نرجو أن تحمل معها أخبارًا مبشّرة، ونسبًا أعلى للمتطعِّمين حول العالم.

حملات التطعيم مستمرة حول العالم، الصورة لمتطعمّين في الهند | Shutterstock Manoej Paateel

2. اكتشاف لبّ الكوكب الأحمر

هذا العام، أسفرت قراءات المستنقعات التي أجراها مسبار “إنستايت” التابع لوكالة ناسا، عن أوّل رؤية كاملة لقشرة الكوكب الأحمر، غلافه ولبّه. القشرة والغلاف أرقّ من قشرة الأرض – لكنّ اللب واسع، ويشغل أكثر من نصف عرض الكوكب.

تكمن أهمّيّة هذه الإكتشافات الأخيرة في كونها تضمنت دليلًا جديدًا ومبهرًا، على أن المريخ كان دافئًا ورطبًا ومالحًا، أي أنّه بيئة مرشحّة قابلة لوجود الحياة المبكّرة عليه. ويعتبر هذا النوع من الاكتشافات مثيرًا وواعدًا، إذ أنّه يظهر ما بمقدور عالم جيولوجيّ إجراءه عن بعد، باستخدام منظومة وبرنامج جيدين، كما يسلط الاكتشاف بمزيد من الضوء على تطوّر التقنية الروبوتيّة، إذ تمّ جمع العيّنات والعديد من الخطوات البحثيّة من خلالها.

هل ينبّئ هذا الاكتشاف بإمكانيّة حقيقيّة لاستحداث الحياة على متن الكوكب الأحمر، وتهيئته للزراعة أو للاستيطان، أو ربّما لهجرةٍ بشرية محتملة؟ لا بدّ وأنّ الإجابة على هذه الأسئلة يقينًا ستستغرق بضع سنين أخرى من الأبحاث الحثيثة، لكن مع كلّ هذه السرعة في التطوّر التقني، من يدري حقًّا؟

المبنى الداخلي للكوكب الأحمر |  CLAUS LUNAU / SCIENCE PHOTO LIBRARY

3. مؤتمر غلاسكو: “الفرصة الأخيرة لإنقاذ الكوكب؟”

 

وقف بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا، في مؤتمر المناخ، “كوب 26″، مفاجئًا ومحذرًا العالم بأنّه إذا لم يتحرّك لوقف التغيّر المناخيّ، فستغرق مدنٌ بأكملها، مثلَ الإسكندرية، ميامي وشانغهاي. ربّما شعر جونسون بأنّه مضطرّ لاستخدام هذه النبرة القوية والسيناريو الدراماتيكيّ، الأشبه بمشهد أبوكاليبسيّ من أحد أفلام هوليوود عن نهاية العالم، لأنّه لم يعد يرى في الخطابات الاستجدائيّة العاديّة أيّ جدوى، في ظلّ التطوّرات المناخيّة السلبيّة التي يشهدها العالم. لكن هل فعلًا قد آل الوضع إلى هذه الخطورة؟ وهل نحن مقبلون فعلًا على سنواتٍ كارثيّة تهدّد بقاءنا؟

في السنوات القليلة الماضية، شهد الكوكب ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة، وموجات من الجفاف والأعاصير والحرائق، والّتي حصلت جزئيًّا نتيجةً للتغيّر المناخيّ. أهمّ النقاط التي أجمع عليها علماء المناخ بعد تقييمهم للوضع الحاليّ، هو أنه إذا استمرّت البشريّة في إطلاق غازات الدّفيئة بالمعدّل الحاليّ، فالتّقدير السّائد هو أنّ بحلول عام 2100 سيرتفع متوسّط ​​درجة الحرارة العالميّة بنحو أربع درجات مئويّة، وبناءً على ذلك، سيتعيّن على البشريّة والكائنات الحيّة الأخرى التّعامل مع تغيّرات بيئيّة بعيدة المدى. ستشتدّ الأعاصير، ستجفّ المناطق القاحلة أكثر، وستشهد المناطق الرّطبة زيادةً في هطول الأمطار والفيضانات. ومن المحتمل أن تؤدّي إزاحة المناطق المناخيّة إلى هجرة أجناس وأنظمة بيئيّة كاملة في جميع أنحاء العالم، وإلى انقراض تلك الّتي لن تكون قادرة على مواكبة المناخ المتغيّر بسرعة كافية، أو مواجهة حواجز غير صالحة للعبور. ستكثر موجات الحرّ الشّديد الّتي نشهدها اليوم، أكثر من مرّة واحدة بالمُعدّل في حياة الإنسان بشكل كبير، وقد تُهجَّر بلدان بأكملها غير صالحة للسّكن. يمكنكم الاطلاع على أبعادٍ أخرى ومخاطر محدقةٍ، قد يسبّبها التغيّر المتطرّف في المناخ في هذا المقال، والتوسّع أكثر في الحقائق العلميّة. لكن من المؤكّد أن تغييرًا ما في العالم آخذ في التطوّر، وبأننا نحن هم اللاعبون الرئيسيّون فيه، وأنّ الحفاظ على هذا الكوكب يحتاج ليبدأ كل فردٍ منّا بتغيير نمط حياته للأفضل.

غازات الدّخان المنبعثة من مداخن تكرير النفط، ولمحة عن الاحتباس الحراريّ | Shutterstock Tom Wang

 4. جوائز نوبل لعام 21: آليّات استشعار الحرارة، المحفّزات العضويّة والنظم المعقّدة في سبيل تنبّؤ المناخ

في كانون الأوّل- ديسمبر من كلّ عام، يستلم الحائزون على جوائز نوبل جوائزهم المنتظرة في شتى المجالات التي تغطّيها الجائزة، عادةً ما كان تُجرى هذه الطّقوس في حفل مهيب، لكن يبدو أنّ الجائحة قد نجحت في التخطيط لمجرى آخر أقلّ احتفاليّة وتأجيجًا للمشاعر هذا العام أيضًا.

حاز هذا العام على جائزة نوبل في الطبّ وعلوم الأعضاء كلّ من ديفيد جوليوس وإرديم باتابوتيان، لاكتشافاتهما التي يسّرت فهم نشاط الخليّتين المسؤولتين عن استشعار الحرارة واللمس، وتمرير المعلومات إلى الدماغ. الاكتشاف عمليًّا هو لبروتينات تسمى بالقنواتٍ الأيونيّة، إحداهما مستشعرة ذات حساسيّة لدرجة الحرارة (مثل التي تستجيب لحرارة كوب شاي أو فلفل حارّ لاذع)، والأخرى للضغط الميكانيكيّ (تستجيب لحاسّة اللمس كالمصافحة أو الاحتضان)، وتلعب كلتاهما دورًا مهمًّا في تحديد المحفّزات من البيئة. يمكنكم الاطّلاع على أهمّيّة هذه الاكتشافات في التطويرات العلميّة عبر قراءة هذا المقال.

أمّا في مجال الكيمياء، فقد منحت نوبل لهذا العام بالمناصفة لكلّ من بنجامين ليست من معهد ماكس بلانك في ميلهايم، وديفيد ماكميلان من جامعة برينستون، لتطوير استخدام الجزيئات الصغيرة كمحفّزات للتفاعلات العضويّة، وبالأخصّ لتمكّنهما من التمييز بين شكلين هما فعليًّا “صور معكوسة” لنفس الجزيء، لكن فعليًّا لدى كلّ منهما وظيفة بيولوجيّة مختلفة. هذه القدرة على التمييز بين الجزيئات ضروريّة في صناعة الأدوية والمواد الأخرى. أدّت تطويرات ليست وماكميلان العلميّة إلى تغيير الصناعة الكيميائيّة على مدار العقدين الماضيين. يتمّ إنتاج مواد معينة اليوم بكفاءة أعلى بعّدة آلاف من المرات، ممّا كانت عليه قبل 30 عامًا فقط. وبهذا يمكننا القول، إنّ صناعة الأدوية والأغذية ومستحضرات التجميل والعديد من الصناعات الكيميائية الأخرى، قد أصبحت الآن أكثر كفاءة وسلامة للبيئة، بفضل الابتكارات والاكتشافات الرائدة.

ويبدو أنّ للحديث حول التغييرات المناخية في العالم حصّة الأسد في هذا العام، حيث كان موضوع جائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام أبحاث التغيّرات المناخيّة والنظم المعقّدة، وقد منحت هذا العام لثلاثة باحثين في مجال النظم المعقّدة. نصف الجائزة الأول لكلّ من اليابانيّ شوكورو مانابي والألماني كلاوس هاسلمان، لتطويرهما نماذجَ تنبّؤ للتغيّرات المناخيّة، أمّا النصف الآخر فهو من نصيب الإيطاليّ جورجيو باريزي، لإسهامهِ في تطوير نماذج لبحث الأنظمة الإرتجافيّة على نطاقٍ واسع. فاز باريزي هذا العام بجائزة “وولف” لأبحاثه في الفيزياء النظريّة، التي تُمكِّن من توقّع ظواهر عديدة بدقّة متناهية، بدايةً من سلوك الجسيمات في نواة الذرّة، وحتّى أنظمة الكواكب. هذا كان إسهام هؤلاء العلماء للكرة الأرضيّة والبيئة، إذا كان لديكم حتّى الآن أيّ تردد حول مساهمتكم الشخصيّة، فقد حان الوقت للتفكير مجدّدًا، حيث ما زال هناك مجال للتأثير.

5. نجاح تنمية الأجنّة خارج الرحم

يمكن أن يوفّر فهم التطوّر الجنينيّ المبكّر نظرةً ثاقبةً على حالات الإجهاض والعيوب الخلقيّة، ومن شأنه أن يساعد العلماء والأطباء على تخطيط بروتوكولاتٍ أنجع للإخصاب في المختبر. في هذا المجال الذي كنّا نحسبُه قبل عدة سنين ضربًا من الخيال العلميّ،  توصل مختبر بروفيسور يعقوب حنّا في معهد وايزمان إلى طرق جديدة لزراعة أجنّة من الفئران والخلايا الجذعيّة وتنميتها خارج الرحم، حيث يمكن أن تلغي الحاجة إلى استخدام أجنّة بشريّة حقيقيّة في بعض الدراسات.

وقد كانت مجلة Science العلميّة قد أدرجت هذا البحث لأهمّيّته العلميّة ضمن لائحة “أبرز الاختراقات العلميّة لعام 2021”.

جنين فأر تطور لمدة ستة أيام خارج الرحم. تم وسم أعضائه النامية بواسطة تقنية الجينات الفلورسنتية (المضيئة)| الصورة: معهد وايزمان للعلوم 

6. نظام الذكاء الاصطناعيّ يساهم بتشخيص السرطانات مجهولة المنشأ

طوّر باحثون من مختبر بروفيسور محمود (Mahmood Lab) في مستشفى Brigham and Women’s في الولايات المتحدة نظام ذكاء اصطناعيّ (AI)، يستخدم شرائح الأنسجة المكتسبة بشكل روتينيّ، للعثور بدقّة على أصول النقائل السرطانيّة، التي لها أهمّيّة كبرى في تشخيص نوع السرطان، ومن ثمّ ملاءَمة علاج له. نُشر بحثه في مجلة nature العلمّيّة. هذه التقنيّة يمكنها أن تختصر فترة زمنيّة طويلة كانت تتراوح ما بين 2.7 إلى 16 شهرًا، يتمكّن فيها الأطباء من التشخيص من خلال فحوصات تشخيصيّة شاملة، الّتي قد تشمل اختبارات معمليّة إضافيّة، خزعات وإجراءات تنظير داخليّة، ممّا يؤخّر العلاج.

7. المصادقة على أوّل جهاز للتصوير المقطعيّ المحوسب لحساب الفوتون (photon counting CT) في العالم

قامت إدارة الغذاء والدواء الأمريكيّة (FDA) في 30 سبتمبر هذا العام، بالمصادقة على أوّل جهاز للتصوير المقطعي المحوسب لحساب الفوتون (CT) في العالم، أطلقت عليه شركة سيمنز إسم “نيوتوم ألفا”، أي “التصوير المقطعي الحديث”، التي قامت بتطويره بالشراكة مع مركز مايوكلينيك للإبتكار Mayo Clinic CT Clinical Innovation Center.

يستخدم الجهاز تقنية التصوير المقطعيّ المحوسب الناشئة لكاشفات عدّ الفوتون، والتي يمكنها قياس كلّ فوتون من الأشعة السينية المار عبر جسم المريض، على عكس الأنظمة الحاليّة التي تستخدم كاشفات تقيس الطاقة الإجماليّة الموجودة في العديد من الأشعة السينيّة في وقتٍ واحد. من خلال “حساب” كلّ فوتون فرديّ للأشعة السينيّة، يمكن الحصول على معلومات أكثر تفصيلًا عن المريض، واستخدامها لإنشاء صور ذات معلومات بجودة عالية، والتخلص على حدّ جيّد من معلومات غير مفيدة بل مضرّة، كضوضاء الصورة.

وصف خبراء إدارة الغذاء والدواء (FDA) هذه التقنية الحديثة والتصوير المقطعيّ المحوسب (CT) على أنّها بداية ثورة في تقنية ماسح التصوير المقطعيّ المحوسب الجديدة، وهي أكبر تحوّل في التكنولوجيا لطريقة الأشعة المقطعيّة هذه منذ سنوات.

فحص مسح للقلب بواسطة جهاز سيمنز نيوتوم ألفا الجديد، وهو أول ماسح ضوئي تجاري يعمل بطريقة عدّ الفوتون | Zukunftpreis

8. علاج مرض وراثيّ في الكبد عن طريق حقن أداة تعديل الجينات CRISPR مباشرةً في جسم الشخص

 منذ عام 2012، أقام الباحثون على تعديل كريسبر CRISPR، أداة تعديل الجينات التي تعدّل بسهولة الجينوم البشريّ، لعلاج الأمراض التي تسبّبها طفرات الحمض النوويّ. لكن حتّى هذا العام، كانت الطريقة التي تتضمّن حقن المريض بخلايا جذعيّة معدّلة، تُستخدم فقط لعلاج الحالات التي تكون طفراتها في مجرى الدم، مثل فقر الدم المنجليّ. في أغسطس من عام 2021، نشر الباحثون نتائج تجربة سريريّة أجريت على ستّة أشخاص حاول فيها الأطباء إصلاح خلل جينيّ، يسبّب حالة كبد نادرة تسمّى الداء النشوانيّ ترانستريتين. معبّأة داخل فقاعة صغيرة تُسمّى الجسيمات النانويّة الدهنيّة، شقّت تقنية تحرير الجينات طريقها إلى الكبد، حيث ذهبت للعمل على تصحيح الخلايا المعيبة. ما زال هناك طريق طويل لنقطعه قبل أن نجد هذا العلاج، الذي ما زال في المرحلة الأولى من التجارب السريريّة، في طريقه إلى السوق. لكن، إذا نجحت، يمكن أن تمهّد الطريق لعلاج مجموعة واسعة من الحالات الجينيّة.

يجدر بالذكر أنّ ابتكار طريقة لتعديل الجينوم هذه (كريسبر CRISPR)، قد منحت جائزة نوبل للكيمياء لعام 2020 لكلّ من بروفيسور جنيفر آن داودنا وبروفيسور إيمانويل شاربنتييه.

 

الهندسة الجينيّة بتقنية كريسبر تعتبر من أكثر التقنيات الواعدة في علاج العديد من الأمراض .|  NOBEASTSOFIERCE / SCIENCE PHOTO LIBRARY

9. إطلاق سيمجلي – منتج إنسولين بديل حيويّ قابل للتبديل

يعتبر الإنسولين -وهو هرمون ينتج عادةً في البنكرياس، ويساعد في معالجة الجلوكوز- ضروريًّا للبقاء على قيد الحياة بالنسبة للعديد من مرضى السكَّريّ. على الرغم من ذلك، يظلّ الأنسولين منتجًا مكلّفًا للغاية، حتّى بالنسبة للمؤمّنين صحيًّا بالكامل. لمعالجة هذه الإشكالية، طوّرت شركتا Biocon Biologics and Viatris منتج سيمجلي (SEMGLEE) وهو إنسولين بديل حيويّ قابل للتبديل – الأوّل من نوعه الذي يحظى بتقدير إدارة الغذاء والدواء (FDA). البديل الحيويّ هو علاج بيولوجيّ (الهرمونات واللقاحات على سبيل المثال) ليس له أي اختلاف ملموس بالفعل عن العلاج الّذي تعتمده إدارة الغذاء والدواء (FDA) والموجود في السوق.

10. قنبلة إشعاعيّة صغيرة ذكيّة لعلاج سرطان البروستاتة

نجح باحثون في مركز تولين للسرطان في نيو أورلينز تطوير علاج لسرطان البروستاتة، الذي يصيب 1 من كلّ 8 رجال في الولايات المتّحدة. يطلق على اسم العلاج Lutetium-177-PSMA-617، الذي يعتمد على طريقة العلاج المستهدف أي توجيه إشعاع مباشرةً إلى الخليَّة السرطانيّة، مع الحفاظ على الأنسجة السليمة من حولها.

تستخدم الطريقة مركّبًا يُسمّى PSMA-617، للتركيز على بروتين موجود بشكل حصريّ تقريبًا في خلايا سرطان البروستاتا، ثمّ يقوم الجُسيم المشعّ الذي يحمله المركّب بتفجير الخلايا السرطانيّة أيْنما كانت.

في سبتمبر المنصرم، منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكيّة (FDA) حالة مراجعة أوليّة للعلاج، وفقًا لشركة الأدوية نوفارتيس التي موّلت الدراسة. من المتوقّع أن يصدر جواب إدارة الغذاء والدواء خلال منتصف عام 2022.

وفقًا للباحثين، فإنّ هذا التطوّر يعتبر من الأكبر في مجال سرطان البروستاتة.

علاج مضاد للسرطان. رسم توضيحي يُظهر مشهدًا بصريًا مباشرًا على الخلية السرطانية. | KATERYNA KON / SCIENCE PHOTO LIBRARY

11. بصيص أمل لِخرَف الشيخوخة

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكيّة (FDA) هذا العام على Aduhelm (معروف أيضا باسم aducanumab)، لعلاج المرضى الذين يعانون من خرَف الشيخوخة أو مرض الزهايمر. اختارت إدارة الغذاء والدواء الأمريكيّة استخدام مسار الموافقة المعجّل، الذي بموجبه توافق هي على دواء لمرض خطير أو يهدّد الحياة، والذي قد يوفّر فائدة علاجيّة ذات مغزى على العلاجات الحاليّة، عندما يظهر أنّ العقار يؤثّر على نقطة النهاية، بالتالي، من المحتمل أن يعود ذلك بفائدة سريريّة على المرضى، الأمر الذي ما زال قيد الترقّب.

هذه الموافقة مهمّة من نواحٍ كثيرة. Aduhelm هو أوّل علاج جديد معتمد لمرض الزهايمر منذ عام 2003. وربّما الأهمّ من ذلك، أنّ Aduhelm هو العلاج الأوّل الموجّه إلى الفيزيولوجيا المرضيّة الكامنة لمرض الزهايمر، ووجود لويحات بيتا أميلويد في الدماغ. كانت التجارب السريريّة لـ Aduhelm هي الأولى التي أظهرت أنّ الانخفاض في هذه اللويحات -وهي سمة مميّزة في دماغ مرضى الزهايمر- من المتوقّع أن يؤدّي إلى انخفاض في التدهور السريريّ لهذا الشكل المدمّر من الخرف.

ستستمرّ إدارة الغذاء والدواء في مراقبة Aduhelm مع وصوله إلى السوق وإلى أيدي المرضى. بالإضافة إلى ذلك، قد طلبت إدارة الغذاء والدواء من Biogen الشركة المصنّعة لهذا الدواء، إجراء تجارب سريريّة أُخرى، وذلك للتحقّق من الفائدة السريريّة للعقار.

12. جزئيات تراقص الشلل

طوّر باحثو جامعة نورث وسترن علاجًا جديدًا بطريق الحقن، يستخدم “جزيئات الرقص” لمعاكسة الشلل وإصلاح الأنسجة بعد إصابات شديدة في النخاع الشوكيّ.

ضمن دراستهم الجديدة، قام الباحثون بإعطاء حقنة واحدة للأنسجة المحيطة للنخاع الشوكي لفئران مشلولة. بعد أربعة أسابيع فقط، استعادت الفئران قدرتها على المشي مجدّدًا.

يكمن السر وراء هذا الاختراق العلاجيّ الجديد في ضبط حركة الجزيئات، حتّى تتمكّن من العثور على المستقبلات الخلويّة المتحرّكة باستمرار، والتعامل معها بشكل صحيح. يُحقن العلاج في صورة سائل، ويتحوّل فورًا إلى شبكة معقّدة من الألياف النانويّة التي تحاكي المصفوفة (Matrix) خارج الخليّة للنخاع الشوكيّ. من خلال مطابقة بنية المصفوفة، ومحاكاة حركة الجزيئات البيولوجيّة ودمج إشارات المستقبلات، تكون المواد الاصطناعيّة قادرة على التواصل مع الخلايا. واستيحاءً بهذه الميزات، أطلق على هذه الجزيئات إسم “جزيئات الرقص”.

رسم صورة ايحائية لعمود فقري وبداخله النخاع الشوكي لامرأة أثناء الجري | Shutterstock

13. تقدّم آخر بمسيرة الحساب الكمومي (quantum computing)

كشفت مؤخرا شركة IBM Quantum عن Eagle، وهو مُعالج معلومات قادراً على معالجة كمية ضخمة من البيانات المعقدة التي لا يمكن معالجتها أو محاكاتها على الحواسيب التقليدية.

Eagle, أي النسر، هو معالج كمّيّ بسعة 127 كيوبت، وهي وحدة قياس البيانات في الحوسبة الكمية. هذا المعالج يقود أجهزة الكمبيوتر الكموميّة إلى عصر جديد، وذلك لونه الأول الذي بمقدرته بلوغ ما وراء حاجز الـ 100 كيوبت. 
أهمية المعالج الكمي تكمن في مقدرة الحاسوب على معالجة كمية هائلة من المواد لحل مشاكل عالمية معقدة. 
وبجسب الشركة، سيتمكَّن مستخدمو Eagle من استكشاف منطقة حسابيّة مجهولة – تعتبر مَعلَمًا رئيسيًّا في الطريق نحو الحساب الكمّيّ العمليّ.

تكمن أهمّيّة ذلك، بأنّ مع زيادة حجم المعالجات الكموميّة، يضاعف كلّ كيوبت إضافيّ مقدار التعقيد الحيّزيّ- أي مقدار مساحة الذاكرة المطلوبة لتنفيذ الخوارزميّات – لجهاز كمبيوتر كلاسيكيّ لمحاكاة الدوائر الكموميّة بشكل موثوق.

على الرغم من أن الحوسبة الكمية تقدم تطبيقات مستقبلية مميزة للتعامل مع مشكلات العالم، إلا أنها في نفس الوقت تهدد الأمن الإلكتروني بشكل كبير، فمعظم أساليب التشفير الحديثة المستخدمة حالياً في العالم الرقمي تعتمد وبشكل أساسي على أن الأجهزة الحاسوبية تستغرق وقتاً طويلاً لفك تشفيرها، لكن ذلك سيتغير تماماً مع الحوسبة الكمية لأنها ستتمكن من فك هذا التشفير بسهولة وبسرعة، ما يهدد الأمن الرقمي للعالم. 

يا ترى، ما هي أولى مشكلات العالم التي ستحظى بحل بفضل هذه التطورات عالية التقنية؟

مفهوم الذكاء الاصطناعي ومعالج الحوسبة الكمومية الروبوتية لتكنولوجيا الأعمال والهندسة وتصميم الابتكارات| Shutterstock Ozz Design

14. إعادة بناء الأذنين من صنع الإنسان (hEAR) عن طريق قولبة مطبوعة ثلاثيّة الأبعاد

تمكَّن باحثون من مركز التخنيون والمركز الطبي شيبا من تطوير تقنيّة فعّالة، من شأنها أن تنتج قطع زراعة تجميليّة ووظيفيّة مخصّصة لإعادة تأهيل الأذن التي نمت بشكل جزئيّ.

يساعد هذا الاختراق بشكل كبير الأطفال الذين يعانون من Microtia، وهي حالة يكون فيها نموّ الأذن غير طبيعيّ بحيث يكون صيوانها صغيرًا ومشوّهًا. تحدث هذه الظاهرة في حوالي 0.1 إلى 0.3 في المائة من المواليد. بالإضافة إلى تأثيراتها الجماليّة، تشمل أحيانًا هذه الظاهرة ضعف السمع.

يستخدم العلاج المعتاد أنسجة غضروف ضلع مأخوذة من منطقة صدر المريض وهو علاج مؤلم، غير مريح ويمكنه أن يسبّب مضاعفات، ويعتمد نجاحه جماليًّا على مهارة الجرّاح وقدراته.

تعتمد الطريقة الحديثة على إنتاج هيكل فريد من نوعه من خلايا المريض نفسه، ممّا سيقلّل من المعاناة والمخاطر التي يتعرّض لها الأطفال، نتيجة اقتلاع غضروف الضلع من أجسادهم. يسمح هذا الهيكل بإنشاء أذن خارجيّة مستقرّة وجماليّة، بطباعة ثلاثيّة الأبعاد، قابلة للتحلّل الحيويّ حين تنمو عليها الخلايا الغضروفيّة -الخلايا المتخصّصة التي يتكوّن منها الغضروف- والخلايا الجذعيّة الكيميائيّة الدقيقة. يحتوي الهيكل العظميّ على ثقوب صغيرة بأحجام مختلفة، التي تسمح للخلايا بالالتصاق ببعضها البعض في نسيج غضروفيّ مستقرّ. نجح الباحثون في زراعة أذن لفأر بهذه الطريقة، وتمّ امتصاص ناجح للزرع، ووظيفة ميكانيكيّة حيويّة جيّدة للأذن الاصطناعيّة.

رسم توضيحي لطابعة ثلاثية الأبعاد تطبع أذنًا | IMAGO
awscNote

لمسة بتقنيّة عالية: عن حاسّة اللمس، الحاسّة الماسّة، والأمل التقنيّ

لمسة كأس الشاي أو الكابوتشينو في الشتاء البارد تُشعرنا بالدّفء، ولمسة المياه الجارية من أعلى الجبال الثلجيّة جميلة باردة.

لمسة جلد الأمّ لرضيعها لمسةٌ ساحرة تولّد ترابطًا ووصلًا متينًا، ولمسة السلام بالأيدي والعناق كفيلان بكسر برود الجليد بين مُغترِبيْن.

لمسة سطوح الأشياء تفيد بمعلومات إضافيّة عن خصائصها، وملمس استشعار الحرارة قد يحمي من الحريق.

لمسة، ملمس، ولمس تأتي من جذر الفعل ل.م.س، وبحسب معجم الغنيّ فإنّ حاسة اللمس هي “إحدى الحواس الخمس، وهي قوّة في العصب بها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة عند لمس الأشياء والاتّصال بها”. كما وصفها العالم والطبيب العربيّ، ابن طفيل: “اللمس يدرك الأمزجة والصلابة واللين والخشونة، أعمال متقنة وفيها تلك اللمسة من الذكاء والحسابيّة”

نستخدم حاسّة اللمس، كالحواس الأربع الأخرى التي عرّفها أرسطو، بشكل متواصل دون توقف، لدرجة أننا ننسى وجودها، أو نعتبرها مفهومة ضمنًا، وقليلا ما نتساءل ماذا لو؟
أمّا بالنسبة لأشخاص آخرين، فقد تبدو الصورة مختلفة تمامًا؛ على سبيل المثال، أولئك الذين فقدوا طرفًا نتيجة حادث أو مرض معيّن،
أو أولئك الذين تعرّضوا لجلطة دماغيّة فتراجعت حاسّة اللمس لديهم، أو شيخوخة سبّبت تراجعًا عامًا بالأداء الوظيفي.

بحسب الرابطة العصبيّة في اسرائيل، فإنّ 63% من الذين تعرضوا لجلطة دماغيّة يعانون من مضاعفات وظيفيّة منها الشلل أو التراجع بوظيفة بعض الأعضاء، ومنها أيضًا تراجع المخّ عن معالجة الأحاسيس والمقدرة على التألّم.
تبعًا لدراسة في جامعة شيكاغو عام 2017، استنتج الباحثون أنّ 70% من المتقدّمين بالعمر يتعايشون مع تراجع في حاسّة اللمس، كثاني عامل انتشارًا بعد التراجع في حاسّة الذوق.
أمّا الأشخاص مبتورو الأطراف، فهنالك ما يقارب 2 مليون شخص يعيشون مع طرف مبتور في أمريكا، على سبيل المثال.بحسب مؤسّسة الصحّة العالميّة، فقط 1 من 10 أشخاص مبتوري الأطراف يحصلون على علاج يتضمّن زراعة طرف اصطناعي.

إنّ دلّت هذه الأرقام على شيء، فإنّها تدلّ على الحاجة الماسّة لتقنيات وطرق تساعد في استرجاع جزئيّ أو كلّيّ بهدف الشعور باكتمال الأعضاء وبحاسّة اللمس. لإنّ فقدان الشعور باللمس أو فقدان الأطراف التي من خلالها يشعر الإنسان ويلمس ويستشعر البيئة التي حوله قد يقلب حياته رأسًا على عقب على عدّة أصعدة، نفسيًّا، عقليًّا وتفاعليًّا.، فيشعر بعرقلة عند قيامه بأبسط الأمور.

لحسن الحظّ، نحن في زمن يمتاز بتطور تكنولوجي وسرعة ريادية لتوصيل الحلول الطبّيّة وغيرها إلى أيدي المستفيد منها. فقد شهدنا لذلك عند إيجاد، تطوير وتصريح جرعات تطعيم بسرعة لا منافس لها لإنقاذ العالم أو التخفيف عنه من جائحة كورونا التي عمّت وما زالت تعمّ كرتنا الأرضية، من شمالها إلى جنوبها، شرقها وغربها.

من أهمّ الإنجازات البحثيّة التي تقدّمت في هذا المجال هي: أوّلًا، فهم الطريقة التي يترجم من خلالها جسم الإنسان حاسّة اللمس. وقد تابعتم على الأرجح أخبار جائزة نوبل للطبّ لعام 2021 حيث كُرِّم كلّ من العالَميْن: الأمريكيّ دافيد يوليوس، الذي تركّز بحثه حول الآليات الجزيئيّة المسؤولة عن الشعور بالألم والحرارة، فاكتشف بدوره صفات المستقبلات TRPV1 و TRPM8 الكاشفة عن كلّ من الكابسيسين (Capsaicin)؛ وهو المركّب النشط في الفلفل الحار، المنتول؛ وله رائحة عطريّة مميّزة، وغالبًا ما يستخرج من نبتة النعناع، والحرارة.
والآخر هو العالم لبنانيّ الأصل آرديم باتابوتيان، الّذي اكتشف بدوره خصائص المستقبلات PIEZO1 و PIEZO2 و TRPM8.
PIEZO1 و 2 ، وهي مستقبلات مسؤولة عن الكشف عن الضغط وهو ناتج عامّة عن اللمس أو الحركة (PIEZO من الكلمة الإغريقيّة Piezol التي تعني ضغط).

ساعدت هذه الاكتشافات على استكمال الصورة وفهم كيفيّة معالجة المخّ وترجمته لمؤشّرات حراريّة وضغطيّة ناتجة عن اللمس ووصف الإنسان لبيئته أو حتّى تحرّكات جسمه، توخّيه الحذر أو تعبيره عن الألم.

تكمن أهمّيّة هذه الاكتشافات بصعوبتها، حيث لا تتمركز حاسّة اللمس في مكان واحد في الجسم مثل حاستي النظر والشمّ، بل هي موجودة في كلّ مكان على سطح جسم الإنسان، ممّا صعّب على العلماء اختيار نقطة البداية للبحث، وهي الإجابة على سؤال أي جزيئات لها علاقة، بحسب ما ذكر د. يوليوس في إحدى مقابلاته عند استلامه خبر الجائزة.

هذه الاكتشافات الأساسيّة لها أهمّيّة كبرى لصانعي الأدوية، حيث يمكنهم الاعتماد على تقنية الجسم الأساسيّة لتطوير أدوية أو علاجات لتخفيف الألم المزمن دون عوارض المسكّنات الحاليّة على سبيل المثال.

بالمقابل لهذه الاكتشافات الجزيئيّة والعلوم الأساسيّة التي تهدف لفهم العمل السيمفوني المتناغم لجسم الإنسان بشكل عميق، إنّ التقنيات التكنولوجيّة تلعب هي أيضا دورًا هامًا؛ معتمدة على اكتشافات كهذه أو أخرى مشابهة.

فزراعة الأطراف الاصطناعية ساهمت بشكل عظيم أصحاب الأطراف المبتورة باستعادة جزء من “طبيعتها”، أوّلًا شكلًا واكتمالًا للهيئة، ومن ثمّ التطوّر نحو استخدامها، فعاليتها، مقدرتها وتطوّرها.

فعليًّا، أوّل طرف اصطناعيّ استخدم عالميًّا كان عبارة عن أصابع اصطناعيّة لكفّة رِجِل في العصور المصريّة القديمة. تبعتها ساق كابولا الرومانيّة الشهيرة. معظم الأطراف الاصطناعيّة القديمة كانت شكلًا لا أكثر. ولكن ما ميّز الأصبع الإصطناعية من العصور المصريّة القديمة هو فعاليّتها بالإضافة إلى شكلها.

صورة أ: أصبع رجل إصطناعية وجدت لدى مومياء أنثى من العصور المصرية القديمة ,مصدر الصورة
The University of Manchester

ساق كابولا الرومانية الشهيرة,مصدر الصورة
Science Museum Group Collection

الإبهام كما نرى في صورة أ، يستطيع الإبهام أن يحمل 40% من وزن جسم الإنسان، وهو أيضا مسؤول عن دفع الجسم قدمًا. هذه القدرة أثارت إعجاب الباحثين، حيث أنّ الأطراف الإصطناعيّة اليوم تُبنى بحذر وملاءمة شديدة للشخص المعدّة له، تبعًا لدراسات حركة الجسم ومقاساته. بينما عمليّة تطوير نسخ من الإصبع الاصطناعية القديمة تطابقت مع أكثر من شخص ومقاس. 

على مرّ السنين، اختلفت طرق تصنيع الأطراف الاصطناعيّة ومقدرتها. الحاجة الأمسّ لتلك كانت خلال الحرب العالمية الأولى، وأشهر من طوّر الأطراف وصنعها هو المستشفى العسكري Walter Rewe Army Hospital في الولايات المتحدة، الذي أتاح لمرتديها السياقة أو تفعيل آليات لم يكن باستطاعتهم فعلها سابقًا. ما زال هذا المشفى من أكبر المراكز لتصنيع أطراف إصطناعيّة وتطويرها حتّى الآن. 

في الحرب العالميّة الثانية، أصبح مشفى الملكة ماري في المملكة المتّحدة لبريطانيا العظمى من ضمن أكبر المراكز لصناعة الأطراف الاصطناعيّة.

منذ تلك الفترة تواصلت التطوّرات وتشابكت العلوم المختلفة لتمكين الإنسان من استعادة مقدرته على التواصل مع محيطه ليس فقط شكليًّا بل وفعليًّا؛ ليشعر ويحسّ. 

في عام 2014, نُشر أوّل مقال علميّ حول منح يد إصطناعيّة المقدرة على الشعور. تمّ إدخال أقطاب كهربائيّة واستشعارات لمسيّة في اليد الاصطناعيّة، الَّتي باتت تُسمّى الكترونية، ليحثّ ما تبقّى من أعصاب لدى دافيد سورينسين، دينماركيّ الأصل الذي فقد يده اليسرى خلال حادثة ألعاب ناريّة. 

نجحت اليد الإلكترونية ذات المستشعرات بإعطاء سورينسين المقدرة على التعرّف على الأشياء حوله خلال لمسها ومن ثمّ حملها.

قاد هذا البحث فريق سيلفسترو ميسيرا لتطوير اليد الإلكترونية، مهندس الأعصاب في Scuola Superiore Sant’Anna في إيطاليا والمعهد الفيدرالي السويسريّ للتكنولوجيا في لوزان -سويسرا. تمّ إيصال المستشعرات اللمسيّة مع الأقطاب الإلكترونيّة المزروعة في أطراف أعصاب ذراع اليد. من ثمّ حوّلت خوارزميّات الحاسوب الإشارات من أجهزة الاستشعار إلى شكل يمكن للأعصاب اكتشافه.

بفضل اليد الإلكترونيّة، تمكّن سورينسين معرفة الاختلافات بين الأشياء الصلبة والمتوسطة والناعمة، وتحديد أشكال أشياء معيّنة مثل الزجاجة الأسطوانيّة أو كرة البيسبول المستديرة. 

Live Science.صورة ب: يد سورينسين الإصطناعية تحمل كرة البيسبول, مصدر الصورة

خلافًا لطرق سابقة، تمّ بها استخدام رجف أو اهتزاز الجلد لحثّ الأعصاب، تعتمد هذه الطريقة على حثّ الأعصاب بشكل مباشر وهي أنجع لتزويد ردود فعل مناسبة من الناحية التشريحيّة (الأناتومية)، مما يجعل استرجاع الشعور باللمس كأنّه طبيعيّ.

مؤخّرا، نُشر مقال آخر في المجلة العلميّة Science Robotic حول التقدّم بتطوير الأيدي الإلكترونيّة. استخدم فريق باحثين من كليفلاند كلينيك في الولايات المتحدة صفيف من أجهزة الاستشعار بالإضافة إلى الروبوتات التى تحثّ هي أيضًا الأعصاب المتبقّية بشكل مباشر.

قال الباحث الرئيسيّ بول ماراسكو، رئيس مختبر كليفلاند كلينيك للتكامل البيولوجيّ، إنّ النظام المدمج في ذراع ميتشل يجمع بين العديد من التطوّرات التي عمل عليها الخبراء لسنوات في طرف اصطناعيّ واحد.

قال الباحثون إنّ هذا هو أوّل جهاز تعويضيّ يقوم بثلاث وظائف حسّيّة وحركيّة في نفس الوقت، باستخدام واجهة متّصلة بأعصاب الطرف المتبقّي للشخص. فيرسل الشخص نبضات عصبيّة من دماغه إلى الذراع الإلكترونيّة عندما يريد استخدامها أو تحريكها. عندما تلمس الذراع شيئًا ما، فإنّها تنقل المعلومات مرّة أخرى إلى دماغه عبر الاتصال الإلكتروني للأعصاب. فإن فكَّرت بتحريك اليد، فهي تتحرّك ردًّا على الأوامر التي وصلت إلى المخّ، وبحركة اليد واللمس لشيء ما، فالمخّ يترجم هذا لشعور بحرارة، حجم وصفة الشيء.

المدهش في الأمر كما رأى الباحثون أنّ نشاط دماغ المرضى وسلوكيّاتهم تغيّرت لتلائم تلك التي لدى الشخص دون بتر. لم يعودوا بحاجة إلى مراقبة طرفهم الاصطناعي، حيث يمكنهم العثور على الأشياء دون النظر، ويمكنهم تصحيح الأخطاء بشكل أكثر فاعليّة.

كما قال أحد الأشخاص ذو طرف مبتور من الذين شاركوا بالبحث التطبيقي -عندما أُعطي موزة للمسها دون رؤيتها- : “إنه موز حقًّا! ومن الصعب جدًّا شرحه، لكن عقلك يشعر حقًا، أجل، يمكنني أن أشعر بأنّ يدي تتحرّك”.

هذه هي نتائج أمل واقتباسات مُسرّة لأشخاص يتعايشون بتكامل مع جسد غير متكامل، وشعور فقد بعض من أجزائه. هذه الأبحاث واعدة بالفعل، وتستحقّ المزيد من التطوّر لتصل إلى أيدي الأشخاص الذين بأمس الحاجة لها على الصعيد العالميّ، على أمل أن تنخفض الأرقام التي افتتحنا بها هذه المقالة مستقبلًا.

لذلك لا تنظروا للمقدرة على لمس الأشياء والشعور بها، حرارتها، حجمها ووصفها كأنّها مفهومة ضمنًا. فهي نعمة يرجوها الكثيرون.

دمتن/م سالمات وسالمين ودام التقدّم العلميّ، التطوير التقنيّ والمبادرات هي رايات ترفرف بنا نحو عالم صحّيّ.

 


  1. Camoni.co.il 
  2. Journal of the American Geriatrics Society
  3. The Ohio State University
  4. World Health Organization
  5. BBC.com
  6. The New York Times
  7. Science Museum Group
  8. CBC.news
  9. LiveScience.com
  10. Science Robotics
  11. US News

awscNote

في الإعادة إفادة، أم في الإستراحة إبتكار؟ عن اكتشاف حديث لطرق تعلم المخ مهارات جديدة

 

تُعدُّ قوتنا المذهلة في التعلم جزءًا لا يتجزأ من كوننا بشرًا نتحلى بمهارات ذهنية عالية مقارنة مع الكائنات الحيّة الأخرى. مع ذلك، ما زلنا لا نفهم تمامًا كيف تَستوعِب أدمغتنا المعلومات والمهارات الجديدة. إن التّدريب المكثّف هو الطريقة المُتعارف عليها من أجل احتراف وإتقان المهارات، مثل العزف على آلة موسيقية أو تعلم رياضة جديدة. لقد كبرنا وعبارات “في الإعادة إفادة” و “التكرار يُعلّم الشُطّار” متأصلة في ذهننا.
دعونا نكشف لكن/م عن طريقة علميّة حديثة من المؤكد انها ستنال اعجابكن/م بمدى سهولتها.

في دراسة مثيرة للإهتمام نُشِرت مؤخرا في مجلة Cell Reports, يناقض علماء الدماغ نظرية أن التدريب المكثّف هو مفتاح الإتقان، ويُظهرون إمكانية وجود طريقة أسرع للتطور في مهارة ما. يتضح، أن معظم التحسّن أثناء تعلم مهارة جديدة لا يأتي أثناء الممارسة الفعلية، بل أثناء فترات الراحة بين الممارسة والأخرى.

قام فريق البحث بقيادة الطبيب والباحث بروفيسور ليوناردو كوهين (Leonardo G. Cohen) من مؤسسة NIH الأمريكية، بفحص المجالات المغناطيسية المتذبذبة في أدمغة مشاركين طُلِب منهم أداء مهمة متسلسلة بشكل متكرر. لاحظ الباحثون أن في فترات الراحة القصيرة بين جولات التدريب، تم إعادة تلك المهمة في أذهانهم، بل وبشكل أسرع، كما لو أن التعلم كان من تلقاء نفسه. تدعى هذه الظاهرة ب” the spacing effect”. 

كيف هذا ؟
قام الفريق برسم خريطة لنشاطِ دماغِ 33 متطوعًا أثناء تعلمهم كتابة سلسلة من 5 أرقام، حيث تم تسجيل موجات الدماغ باستخدام تقنية مسح حساسة تسمى تخطيط الدماغ المغناطيسي (magnetoencephalography). عُرض على المشاركين هذا التسلسل الرقمي على الشاشة وطُلب منهم كتابته بسرعة وبأكبر عدد ممكن من المرات لمدة 10 ثوانٍ ثم أخذ استراحة لمدة 10 ثوانٍ. كرروا هذه العملية 35 مرة.

بعد ذلك سعى الفريق لتحليل البيانات باستخدام برنامج حاسوب، مما سمح له بفك تشفير نشاط الموجات الدماغية المرتبط بكتابة كل رقم في السلسلة الرقمية. لدهشته، اكتشف الفريق أنّ نشاط الدماغ المبذول في استعراض ومراجعة كتابة التسلسل الرقمي هذا كان 20 مرة أسرع في فترات الراحة القصيرة.

بالإضافة، قام الفريق بفحص المناطق في الدماغ التي كانت فعالة في تكرار التعلّم. كما هو متوقع، غالبًا ما يحدث نشاط تكرار التعلم في المناطق الحسيّة في الدماغ المسؤولة عن الحركة. لقد لوحظ أيضًا نشاطًا في الحُصين (hippocampus) والقشرة الأنفية الداخلية (entorhinal cortex). هذا اكتشاف عظيم إذ لم يكُن معروف سابقًا أن هذه المناطق تلعب دورًا رئيسيًا في الذكريات اللازمة لأداء مهام جديدة.

يقول بروفيسور كوهين: “تدعم نتائجنا فكرة أن الراحة اليقظة تلعب دورًا لا يقل أهمية عن الممارسة المكثفة في تعلم مهارة جديدة. يبدو أنها الفترة التي تكثّف فيها أدمغتنا ذكريات ما مارسناه للتو وتدمجها سوية. قد يساعد فهم هذه الدورة العصبية تعلمنا لمهارات جديدة، بل ويساعد أيضًا المرضى في إعادة التأهيل (rehabilitation) واستعادة المهارات المفقودة بعد الإصابة العصبية مثل السكتة الدماغية.”

ما علاقة هذا الإكتشاف بالشيخوخة؟
في الدراسة المذكورة أعلاه، تعلم المشاركون العزف على سلسلة من الأرقام على لوحة المفاتيح. يتم تصنيف هذه الفعالية كنوع من التعلم المعروف باسم “التعلم الإجرائي” او “procedural learning”, الذي يشمل عمومًا أي نوع من المهارات التي تتطلب الممارسة مرارا وتكرارا لإتقانها.
تعلم اللغات مثلا هي إحدى هذه المهارات، أو تعلم الاتجاهات – مثل كيفية الانتقال من المنزل إلى وظيفة جديدة.

إن تدريب عقولنا من خلال تعلم مهارات جديدة ليس مفيدًا فقط في ترك انطباع جيّد في مقابلات عمل أو محادثات تشبيكية، بل إنه في الواقع أحد المكوّنات الرئيسية لصحة الانسان مع تقدمه ​​في السن. تشير الأبحاث إلى أن التعلّم قد يطيل الحياة – مقابل كل سنة تعليمية نكسب سنة لعمرنا. تعلم مهارة جديدة مثل لغة، تصوير او حتى الخياطة – قد يحسن الذاكرة ويبطئ الشيخوخة.

كيف تحسّن هذه الدراسة حياتنا ?
لقد عرف العلماء منذ فترة طويلة أن الراحة ضرورية للتعلم، حتى وأن معظم تعلمنا يحدث أثناء الراحة. ما لم يعرفوه بالضبط هو ما يحدث في الدماغ أثناء استراحتنا هذه.

يقول بروفيسور كوهين أن فترات “الراحة اليقظة” أكثر قوة في تجميع المعلومات من النوم طوال الليل، والذي غالبًا ما يخطف الأضواء. يضيف إلى أنّ %90 من تعلمنا منذ بدء ممارسة شيء ما حتى صباح اليوم التالي، يحدث في فترات الراحة اليقظة – و %10 فقط أثناء النوم. مع ذلك، لا يزال غير واضح تمامًا كم من الوقت يجب أن تكون فترات الراحة القصيرة، أو كيف ينبغي فصلها عن بعضها البعض لتحقيق التعلم الأمثل.

للختام، هذا هو أوّل إثبات للمسار العصبي اليقظ لمهارةٍ مكتسبة حديثًا شوهدت من خلال دراسات سريرية (صنعت على البشر).
بالرغم من الحداثة التي تحملها هذه النتائج، إلا أن هذه التجارب لم تختبر إلا مهارة واحدة، لذا ينبغي تأكيد هذه النتائج في مهارات جديدة. في حال كان هذا صحيحًا، فإن هذه الطريقة السهلة هي أمر عظيم لمضاعفة درجة تعلمنا مهارات جديدة، كما هي مهمة لمساعدة بعض المرضى في عمليات إعادة التأهيل.

الآن، بعد إكتمال قراءة المقال، كل ما عليكن/م فعله، هو الجلوس والإسترخاء.

 

 

 

في الصورة: نشاط تجدد الذاكرة التي لوحظت في الدراسة. المصدر: NIH

 

المقال المترجم:

https://www.inverse.com/mind-body/new-skills-brain-study?mc_cid=8dd15b54ee&mc_eid=966940f915

رابط المقال المنشور في Cell Reports:

https://www.cell.com/cell-reports/fulltext/S2211-1247(21)00539-8?_returnURL=https%3A%2F%2Flinkinghub.elsevier.com%2Fretrieve%2Fpii%2FS2211124721005398%3Fshowall%3Dtrue#secsectitle0020

awscNote

تحقيق ما بات خيالاً: بروفيسور يعقوب حنا وفريقه ينجحون بإنماء أجنة فئران خارج الرحم للمرة الأولى

لا تزال مراحل تطور الجنين، البشري وغيره من الثدييات، سرٌّ غامض بروعته ودقة مراحله، إذ يَنتُج عن هذه المراحل كائنات مليئة بالتفاصيل؛ تتناغم أسسها وأجزاءها بسحر وانسجام؛ لا نعرف عنها وعن آلية عملها إلا القليل رغم التقدّم العلمي العظيم.
منذ مئة عام يحاول العلماء جاهدين في أنحاء العالم دراسة مراحل تطوير الجنين، لكن تتطلب دراسة المراحل المبكرة فهم شامل وعميق، طرق بارعة وبيئة مُهَنْدَسَة بشكل عبقري من أجل فك شفرة كثير من الآليات الأساسية لنمو الأجنّة خارج رحم الأم؛ موطنهم الطبيعي والوحيد حتى يومنا هذا.

من بين المختبرات التي تمركزت إهتماماتها حول هذا الموضوع هو مختبر بروفيسور يعقوب حنا وفريقه البحثي في معهد وايزمان. الفريق الذي كدّ وتعب ليعلن في الآونة الأخيرة عن نجاحه بإنماء أجنّة فئران خارج الرحم حتى المراحل المتقدمة ونمو الأعضاء بشكل كامل متكامل، ليكون هذا الإنجاز رائد بنجاحه ونتائجه عالميا حيث يتم ولأول مرة تنمية جنين لهذه الفترة الزمنية خارج رحم أمه.

فهذا فخر وإعتزاز ليس فقط على الصعيد العالمي بل وعلى الصعيد المحلي العربي؛ فهذه إنجازات وهذه شخصيات هي الوجه العربي الجميل والواعد الذي يعيد لمجد مسقط رأسه مجدا علميا وبصمة تاريخية تذكرنا بإبن سينا. وتسلط الأضواء على هذا المختبر من جميع أنحاء العالم، وخصوصا من جماهير وعلماء علم الوراثة، حيث تتم متابعة ومشاركة آخر مقالاته العلمية، التي نُشرت في مجلة Nature الشهيرة [1] حول هذا الموضوع، بشكل ملحوظ ومميّز.

 

تعتبر الطريقة التي ابتكروها أداة لا سابق لها لفهم عملية النمو المشفرة في الجينات، وقد توّفر نظرة تفصيلية مبهرة للعيوب الخلقية في الحمل الطبيعي وفي الحمل عن طريق الزراعة أيضا.
يشرح بروفيسور حنا، الذي يعمل في قسم علم الوراثة الجزيئية بالمعهد، أن الكثير مما هو معروف اليوم عن التطور الجنيني للثدييات يأتي إما من مراقبة نفس المراحل العملية في غير الثدييات مثل الضفادع أو الأسماك، أو عن طريق الحصول على صور من أجنة فئران تم تشريحها وجمعها معًا. ويضيف أن فكرة إنماء الأجنة خارج الرحم حتى المراحل المتقدمة كانت موجودة قديما، لكن التجارب القائمة على هذه المقترحات لم تحقق سوى نجاح محدود وكانت الأجنة تميل إلى أن تكون غير طبيعية.

قرّر فريق بروفيسور حنا تجديد الجهد وتطوير البحث في مختبره، والذي يركز على الطريقة التي يتم بها تفعيل مراحل التطور في الخلايا الجذعية الجنينية. على مدار سبع سنوات، من خلال العديد من التجارب والأخطاء، الضبط الدقيق والمراجعات العديدة، توصّل الفريق إلى عملية مكوّنة من خطوتين، نجحوا من خلالها إنماء أجنة فئران بشكل طبيعي لمدة 11 يوم – أي حوالي نصف عملية الحمل الكاملة للفئران (20 يوم). بهذا الوقت يتطور للأجنة مخطط جسم محدد جيدًا وأعضاء مرئية، بما فيها الدماغ والرئتين والجهاز الهضمي والكلى والأرجل والأعضاء التناسلية. هذا هو الجزء الأكثر غموضًا والأكثر إثارة للإهتمام في التطور الجنيني.

الخطوة الأولى من التجربة دامت مدتها يومين، فيها تم نقل الأجنة إلى حاضنة اصطناعية خارجية في مرحلة مبكرة جدا، حيث لم تتجاوز الأجنة 5 أيام من عمرها، وتكون بمثابة 250 خلية جذعية متطابقة بشكل كرة.
تحتوي الحاضنة الاصطناعية على نظام تهوية، فيها تطفو الأجنة في قنينة مملوءة بسائل خاص مفعم بالمغذيات. بهذه الخطوة استطاع الفريق تكرار المرحلة الأولى من التطور الجنيني حيث يتضاعف حجم الجنين لثلاثة أضعاف، ويتميز بثلاثة طبقات خلايا مختلفة: طبقة داخلية، وسطى وخارجية. بعد هذين اليومين، تدخل الأجنة في مرحلة النمو التالية، وهي تكوين أعضاء في كل طبقة، لذا كانت بحاجة إلى شروط إضافية.

في الخطوة الثانية، وضع علماء مختبر بروفيسور حنا الأجنة في محلول مغذّي بأكواب صغيرة، ووضعوا هذه الأكواب على بكرات تحافظ على السائل المغذّي في حالة حركة مستمرة. يبدو أن هذه الحركة المستمرة ساعدت في إبقاء الأجنة مغمورة بالمغذيات اللاّزمة.
بالإضافة إلى تنظيم العناصر الغذائية في الأكواب بعناية فائقة، لاحظ الفريق أيضا أن التّحكم بضغط الغازات كالأكسجين، وليس فقط الكميّات، كان عنصر أساسي في نجاح التّجارب. 

 

للتحقق مما إذا كانت عمليات النّمو طبيعية، أجرى الفريق مقارنات دقيقة مع الأجنّة التي تمّت إزالتها من فئران حوامل في فترات زمنية مشابهة، مما أظهر أن كلا المجموعتين متطابقتين من حيث فصل الطبقات الثلاث. إضافة الى ذلك، أدخلوا جينات الى داخل الأجنّة التي بدورها أضاءت أعضاء مختلفة بألوان فلورسنت، ما أظهر نتائج متوافقة مع التطور والنمو داخل الرحم.

أما بالنسبة للدماغ، فقد أظهروا أيضًا أنه بالإمكان إضافة أنواع معينة من الخلايا العصبية البشرية إلى الأجنة، تندمج جزئيًا في الدماغ النامي. يمكن استخدام كلتا الطريقتين للمساعدة في فهم كيفية حدوث التطور الطبيعي، وكيف يحدث الخطأ في بعض الأحيان. تتيح هذه التقنيات فتح أبوابًا جديدة من خلال إتاحة الوصول إلى تفاصيل في تطور الأجنة، ما يساعد بإجراء دراسات تفصيلية للعديد من جوانب تطوّرها.

في إحدى مقابلاته (2) علّق بروفيسور حنا قائلا: “إذا تم تزويد جنينًا بالشروط الصحيحة، فإن شفرته الجينية ستكون عبارة عن مجموعة من أحجار الدومينو، مرتّبة لتقع واحدة تلو الأخرى متى وقعت الأولى. كان هدفنا إعادة إنشاء هذه الظروف، والآن يمكننا مشاهدة هذا التسلسل، حيث يصل كل دومينو إلى المرحلة التالية في الصف”. 

من بين أمور أخرى، ستخفض هذه الطريقة التكاليف بل وتسرع عمليات البحث في مجال علم الأحياء التطوري ، فضلاً عن تقليل الحاجة إلى حيوانات المختبر. 
من بين أمور أخرى، يأمل الفريق أن تساعد طريقتهم المبتكرة بالإجابة على أسئلة عديدة، مثل سبب فشل العديد من حالات الحمل عن طريق الزرع، وكيف تتخصّص الخلايا الجذعية تدريجياً الى خلايا أخرى محددة العمل وما هي الظروف في فترة الحمل التي قد تؤدي لاحقًا إلى اضطرابات في النمو.

أخيرا، ليس من غير المعقول أن نمتلك القدرة على تطوير جنين بشري من الإخصاب إلى الولادة خارج الرحم بالكامل. بالطبع، مجرد اقتراح سيناريو الخيال العلمي الذي لربما شاهدناه في الأفلام أن يصبح حقيقة من شأنه أن يرعب الكثيرين ويثير الجدل بين الأطراف المدنية، الدينية والعلمانية. فمع افتراض إمكانية كهذه ما إذا كان ذلك مناسبًا أم لا، هو سؤال سيبحثه أيضا علماء الأخلاق والمنظمين.
لكن مازال الوقت مبكرًا، فالعلم والأبحاث مازالت بأوجها وما زالت هنالك أسئلة وغموض حول تطوّر الأجنة البشرية بالكامل خارج الرحم. وللعلم والأبحاث تتمة.

وما أنسب من ترككم/ن مع مقولة عالم الفيزياء ألبيرت أينشتاين: “الخيال أهم من المعرفة، فبينما المعرفة محدودة فإن الخيال لا حدود له. الخيال هو حافز كل تقدم، ومنشئ أي تطور.” فدون الخيال، لما أتت بنا العلماء بالمعرفة والتطوّر.

فما يدور بخيالك أيها القارئ/ة؟ وهل تعلم/ين إن كان عالمٍ في مختبر ما يعمل على تحقيق ذلك؟

نراكم/نّ مع إنجاز آخر،

جمعية نساء عربيات في مجالي العلوم والهندسة.

Development of a mouse embryo over a five-day period.

تطور جنين فأر على مدى خمسة أيام ائتمان [1] Aguilera-Castrejon et al.، Nature 2021

 

 

مصادر:

  1. https://www.nature.com/articles/s41586-021-03416-3
  2. https://wis-wander.weizmann.ac.il/life-sciences/advanced-mouse-embryos-grown-outside-uterus