عن ما سببته الكورونا من أضرار بحق المرأة العربية العاملة
لقد أدّت أزمة وباء كورونا الى أضرار كبيرة في سوق العمل، وأبقت مئات الآلاف من العاملين وبالأخص النساء منهم دون مكان عمل يؤمن لهن ولعائلاتهن مصدر الرزق والأمان الإقتصادي. اذ أن هذه الأزمة أصبحت بمثابة عدسة مكبرة لظاهرة عدم المساواة الجندرية التي تعاني منها النساء خصوصًا في مجتمعنا، فبالإضافة إلى كونهنّ عاملات، هنّ أيضًا المسؤولات عن الرعاية المنزليّة والعائلية؛ تربية الأولاد، تحضير الطعام، رعاية المسنين وغيرها من الواجبات المنزليّة، زد على ذلك فإن إغلاق المدارس والأطر التعليميّة والترفيهيّة وعدم توفّر الخدمات والمساعدات الإجتماعيّة، أدّى بلا شك الى أن يقع الحمل الكبير على أكتاف النساء، مما جعلهن الأكثر عرضة للضرر في هذه الفترة، مقارنةً بالرجال.
تُشير نتائج الإحصائيات الصادرة عن مكتب العمل ان ٦٦% من العاملين الذين تم إقالتهم في فترة الإغلاق الثاني هم نساء، وأن ٥٦% من العاطلين عن العمل بشكل عام هم أيضا نساء. في حين ترجّح الاسكوا- لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا- أن الأزمة ستؤدي إلى إفقار 8.3 مليون شخص في الدول العربية، أكثرهم من النساء. كما وترجّح أيضًا أن تبلغ خسارة النساء لوظائفهنّ ضعف خسارة الرجال.
حيث تعود الأسباب لذلك الى أن النساء في كل البلدان يكسبن أقل، ويدخرن أقل، وهن أكثر عرضة للعمل في وظائف غير مستقرة مع القليل من الأمن أو الحماية. وهذا يعني أن لديهن قدرة أقل على تحمل الصدمات الاقتصادية، مثل تلك التي تجتاح واقعنا منذ تفشي الوباء في البلاد.
نحن كأفراد في هذا المجتمع، نساء عاملات في الصناعة والأكاديمية وأيضا كعضوّات ومبادرات في جمعية AWSc، نساء عربيات في مجالي العلوم والهندسة، لامسنا الصعوبات والتحديات التي فُرضت على النساء في ظل أزمة كورونا، فراودنا التساؤل حول نوعية الوظائف والمجالات التي قد تمنح النساء أمانا إقتصاديًا وإجتماعيًا في ظل هذا الوباء الذي فرض علينا جميعا واقعًا جديدًا. لذلك، وتبعا لرؤية الجمعية ومخطط مسيرتها فقد قمنا بنشر إستطلاع يهدف لمحاولة الإجابة على بعض هذه التساؤلات. جُمّعت معطيات من 114 إمرأة عربيّة داخل الخط الأخضر بمعدل جيل 31 عاما والتي تضم 47% عزباوات، 47% متزوجات و6% مطلقات/منفصلات. 6% من النساء درجة تعليمهن ثانوي، 44% لقب أول، 40% لقب ثاني و10% لقب ثالث (دكتوراه). من هؤلاء النساء 48% منهن يعملن بوظيفة كاملة، 18% يعملن بوظيفة جزئية، 5% رياديات أو مستقلات، 15 % عاطلات عن العمل، والأخريات (14%) طالبات جامعة.
47% من النساء العاملات يعملن في مجال العلوم، الهندسة والريادة. 53% من النساء يعملن في القطاع الخاص-العام، في سلك التعليم ومجالات أخرى. تهدف المعطيات للكشف الجزئي عن مدى تضرر النساء في أزمة كورونا وما هي المجالات التي تؤمّن ثباتًا إقتصاديًا ومهنيًا وحماية للنساء في ظل الأزمات.
أظهرت المعطيات بأن مدخول النساء في مجالات العلوم والهندسة أو الريادة الشهري أعلى بكثير من النساء في مجالات أخرى؛ فنرى أن 54% من نساء العلوم والهندسة مدخولهن الشهري الصافي يتراوح بين 7000 الى 15000 شاقل و27% منهنّ يحصلن على أكثر من 15000 شاقل شهريًا بينما فقط 19% منهن يحصلن على أقل من 7000 شاقل. بالمقابل، نرى أن غالبية النساء العاملات في المجالات الأخرى والتي نسبتهنّ 67%، مدخولهنّ الشهري أقل من 7000 شاقل، 29% منهنّ يحصلن على مدخول يتراوح بين 7000 الى 15000 شاقل وفقط 4% يجنين أكثر من 15000 شاقل شهريًا.
النساء العاملات في مجالات العلوم والهندسة يكسبن أكثر مقارنةً بالنساء العاملات في المجالات الأخرى وهذا يمنحهن الاستقرار الاقتصادي بشكل عام، وبشكل خاص عند المرور بأزمات مثيل أزمة كورونا التي نمرّ بها الآن. تأكيدًا على ذلك، أظهرت المعطيات بأن 77.5% من النساء في مجالات العلوم والهندسة واصلن العمل دون أي تغيير في نسبة الوظيفة خلال فترة كورونا والحجر المنزلي، بالمقابل 37.5% فقط من النساء في المجالات الأخرى استطعن أن يواصلن عملهن في هذه الفترة. 20% من النساء في مجالات العلوم والهندسة واصلن عملهنّ مع تخفيف في نسبة الوظيفة او خرجن إلى عطلة غير مدفوعة (75% منهن خرجن لفترة شهر الى عطلة غير مدفوعة)، حيث نسبة الضرر في المدخول بسبب تخفيف نسبة الوظيفة تراوح بين 10-20%. بالمقابل، 44.5% من النساء في المجالات الأخرى تضررت نسبة وظيفتهن او خرجن تبعا لإجراءات مكان العمل الى إجازة غير مدفوعة الثمن (تتراوح فترة الإجازة بين شهر الى 5 أشهر) ونسبة الضرر في المدخول تتراوح ما بين 40-60%.
بالرغم من التفاوت الاقتصادي بين النساء في مجالات العلوم والهندسة والنساء في المجالات الأخرى، والاختلاف في نسبة الضرر الناتج من الحجر المنزلي والضرر الاقتصادي العام، فالمعطيات تشير إلى أن مسؤولية الأعمال المنزلية تقع على النساء جميعًا؛ فأن 82% من مسؤولية تحضير الطعام في المنزل كانت تقع على الأم، وبالرغم من أن النسبة الكبيرة من النساء هن عاملات، ولكن أيضًا مسؤولية الاهتمام بالأولاد كانت تقع في غالبيتها عليهن؛ فنجد أن 64% من الأمهات يدرّسن أولادهن، بينما فقط لدى 20% من المشاركات تقع مسؤولية تدريس الأولاد على الأب، و16% يتشارك الأب مع الأم في تدريس الأولاد. بالإضافة الى ذلك، 51% من مسؤولية تسلية الأولاد كانت تقع على الأم فقط، بينما 24.5% على الأب و24.5% يشاركها الأب والأم سويتًا.
في أزمة كورونا التي نمر بها الآن، طرأت تغييرات كثيرة في نمط حياتنا؛ مثل التعلم عن بعد وإغلاق المؤسسات التعليمية والتربوية، وتحويل منازلنا الى مكاتب عمل لنواصل عملنا من المنزل. هذه التغييرات أثرت بشكل كبير على النساء العاملات في جميع المجالات لإن كما ذكرنا سابقًا، الأعمال المنزلية ومسؤولية الاهتمام بالأولاد تقع في الأساس على النساء، وهذه الضغوطات بين مواصلة العمل (من المنزل او خارج المنزل) وبين التدريس والاعتناء بالأولاد والمنزل لها أثرًا سلبيًا على الوضع النفسي للنساء. أكثر من %76 من النساء المشاركات في الاستطلاع وصفن فترة مكوث الأولاد في المنزل كصعبة جدًا، و95% (40% من النساء العاملات في مجالات العلوم والهندسة و55% من النساء العاملات في مجالات أخرى) ينتابهن الشعور بالقلق والتوتر بدرجة عالية مما يخبئه لهن المستقبل.
مع ذلك، تشير المعطيات أنه بفضل تأمين الإستقرار المهني والاقتصادي للنساء العاملات في مجالي العلوم والهندسة، فإن تلك النساء يشعرن بالقلق بسبب الوضع المادي بدرجة أقل من النساء العاملات في المجالات الأخرى (26% من النساء العاملات في مجالات العلوم والهندسة، مقابل 55% من النساء العاملات بالمجالات الأخرى) ما يمنح لنخبة النساء من مجالي العلوم والهندسة الشعور بالاستقرار والأمان في مكان العمل وخاصةً في فترة الأزمات، فإن غالبية النساء في مجالات العلوم والهندسة لا يقلقن من عدم عودتهن الى أشغالهن. على عكسهن، فغالبية النساء العاملات في مجالات أخرى يشعرن بالقلق من إمكانية فصلهن من أشغالهن إن طالت غمامة هذه الأزمة السوداء.
إن دلت هذه المعطيات على شيء، فقد تدل على أن الشعور بالقلق تعاني منه نسبة كبيرة من النساء في جميع مجالات العمل، إلا أن الثبات المهني والمادي عند النساء العاملات في مجالات العلوم والهندسة يقلل من الشعور بالقلق وعدم الإستقرار النفسي ولعله يساهم في مرور هذه الأزمة بطريقة أفضل.
لربما لم نأت لكم بعنصر المفاجأة بخلاصة هذه المعطيات ولكنها دون شك تشدّد عن جديد وبشكل كمي نسبي على ذكورية المجتمع، ومن ثم العالم من جهة واللا مساواة في الأجر والإستقرار المادي بين مجالات العمل المختلفة من جهة أخرى. على المؤسسات ذوات الشأن الاقتصادي، النسائي أو التوظيفي رسم خطة عمل واضحة تحارب بها ظاهرة التمييز هذه. على الرجال والآباء النظر لزوجاتهن كشريكات بكل شيء، لديهن طموح ومكان عمل يتوجب عليهن بل ويحق لهن الحفاظ عليه، ما يعني أن على الأب إتخاذ خطوات لمشاركة الأم بالمهام التربوية، المنزلية والاجتماعية كي تمر العائلة كوحدة صامدة كطابة الثلج المتدحرجة، تكبر كلما تماسكت كتلتها أكثر. وأخيرا وليس اخرًا، للنساء نقول – لك شيء في هذا العالم فانهضي – أرسمي أنت الخريطة، وسيري بها نحو الهدف، لا تقبلي بالقليل لا لأجر ولا لمستقبل. لا تدعي شأن إستقرارك بأيدي الآخرين، كوني انت قائدة نفسك، كوني المبادرة، سيري مع الكبار، إجعلي طموحك خطة مكتوبة وأفعالاً، أطلبي المساواة، إبحثي عنها ولا تخافي التغيير، خاصة إن كان مدروسًا.
بالرغم من إيماننا الكبير أن على المرء أن يسعى خلف ما يحب وما يريد ويحلم، لكن على المرء أيضا أن يكون واعٍ لإتجاه العالم، لإقتصاده، للفرص التي سيتيحها وللمهارات التي ستصبح دارجة بعد بضع سنوات أو أكثر. لا تحدد(ي) لسيرتك الذاتية صلاحية إنتهاء، حدّثها(حدّثيها)، كون(ي) دائما على استعداد لتحدي الصدمات والأزمات، ولا تقبل(ي) أن يكون استقرارك ملك الآخرين! المستقبل يقوم على أسس تكنولوجية، إن لم نكن هناك، سنُنسى. الهندسة والعلوم هي المستقبل، والمستقبل واسع مرن، ما عليك إلا أن تجد(ي) خانتك وتتميز(ي) بها.
لختام يحمل الأمل، فإننا نشد على أيدي جميع النساء للنداء لحقهن، وهذا يبدأ من الذات. هذه فترة قد نتعلم منها الكثير، أهمه إيجاد حيز لنا، لشؤوننا ولإستقرارنا. إقتصادك ونفسيتك هم ملكيتك ولديك كامل المسؤولية عليها. أحضنيها كما تحضنين أولادك وأرويها كما تروين النباتات واحصدي منها حصتك، أجعليها واجب لا يختلف عن واجباتك المنزلية والتربوية والعائلية. كوني مثال لبناتك، حتى يكون لهن مستقبل أفضل. دمتن على خير صحة وكيان!
مصادر:
جميع الحقوق محفوظة AWSc 2020 © all rights reserved