قدّمت النِّساء على مَر التّاريخ الكثير من المساهمات الجوهرية الهامة في المجالات العلمية, وذلك بالرغم من العقبات والتضييقات العديدة التي واجهتهن، منها فرص التعليم الأساسي، الجامعي وفرص العمل. وقد لا يُخفى عن علمكم، فلم تلقى تلك العالمات ولا حتى القليل من الفضل لعملهن، ففي معظم الأحيان، تم التغاضي عن الذكر أو الإعتراف بدورهن, أو تم ربط مساهمتهن بأسماء زملائهن الرّجال.التقطت روزالين فرانكلين صور الأشعة السينية لجزيء الحمض النووي (DNA) التي سمحت لجيمس واتسون وفرانسيس كريك بالتوصل لشكل هذه الجزيئات، لكن هي بدورها لم تحصل على أي تقدير يُذكر.
في ناسا، ساعدت كل من كاثرين جونسون، دوروثي فوغان وماري جاكسون (إلى جانب عدد لا يحصى من عالمات الرياضيات الأخريات) – في هندسة مركبة فضائية وحل معادلات لإطلاق رائد الفضاء جون جلين إلى مساره الفلكي في عام 1962. لكن مساهماتهن هذه بالكاد تم التعرف عليها.
هذا النوع من الاعتراف والتقدير افتقدته العديد من العالمات اللواتي لم يتم منحهن حق التأليف في أوراقهن البحثية؛ فتم نسيان عملهن.
عالمة أُخرى يَندَرِج إسمها في هذه القائمة؛ هي يونيس فوتيه (Eunice Foote), التي تُعتبر أوّل عالمة أنثى في علم المناخ.
يُعتبر علم المناخ قضيّة عالميّة بغاية الأهمية في عصرنا هذا، فتأثيرات الإحتباس الحراري تهدد كيان المخلوقات الحية ومخطط الإنسان على الأرض وفضائها. عدا عن تصدرها للعنواين الرئيسية من حين لآخر، فإنّ الإحتباس الحراري يشد العديد من المبادرات التكنولوجية، الرؤى الدولية والأهداف التي تعمل لأجلها المؤسسات الغير ربحية.
منذ ما يقارب قرن ونصف من الصناعة، تم إزالة مساحات ضخمة من الغابات لتخدم البناء والإعمار المادي، نمو الاقتصاد، ارتفاع مستويات المعيشة وغيرها من أمور عديدة يفعلها الإنسان، التي تسبب بارتفاع كمية الغازات الدفيئة بالجو الى مستويات قياسية لم نشهدها منذ 3 ملايين عام.
كيف توصّل العُلماء لعلاقة الغازات الدفيئة والإحتباس الحراري؟ وما هي مساهمة العالمة يونيس فوتيه لهذا المجال؟
تدور قصة يونيس فوتيه قبل قرن من الزمن التي عاشته النّساء المذكورات أعلاه, اذ كانت فوتيه عالِمة هاوية آنذاك, أجرت في سنوات ال1850 بعض التجارب الأولى لإستكشاف تأثير الغازات المختلفة في الغلاف الجوي على “حرارة أشعة الشمس”.
بواسطة إستخدام أسطوانات زجاجية، كل منها يحتوي على مقياس حرارة، وجدت يونيس أن تأثير تسخين الشمس كان أكبر في الهواء الرّطب من الهواء الجّاف، وأنه كان الأكبر في أسطوانة تحتوي على ثاني أكسيد الكربون (CO2). من تجربتها البسيطة هذه، توصلت إلى نتيجة أن ثاني أكسيد الكربون من شأنه أن يتسبب في إرتفاع درجة حرارة الأرض, أي بكلمات اخرى ربطت ولأول مرة العلاقة ما بين ثاني أكسيد الكربون وارتفاع درجات الحرارة المناخية.
نظريتها هذه توقعت حدوث الإحتباس الحراري التدريجي الذي يحدث في يومنا هذا والمسمى ب” the greenhouse effect”.
تم تقديم عملها عام 1856 في الإجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم (AAAS) – ليس من قِبَلِها، بل من قِبَل عالِم اخر لكونه رجل، حتى أنه لم يُسنح لها الرد على الأسئلة. وبطبيعة الحال (المؤسف آنذاك) لم يُسمح لها بنشر مقالها في المجلات المرموقة في زمنها !
بعد بضعة سنوات من إكتشافات يونيس فوتيه، ظهر الفيزيائي الشهير جون تيندال، الذي له، بشكل مغلوط، يُنسب الفضل في تأسيس علم المناخ.
بتجاربه الأكثر تعقيدًا إستطاع إثبات أن تأثير الإحتباس الحراري على الأرض يأتي من بخار الماء وغازات أخرى اولها ثاني أكسيد الكربون. في منشوره، ذكر تيندال عالِم آخر قد إعتمد على استنتاجاته, ولكنّه لم يَذكُر يونيس فوتيه على الإطلاق.
في عام 1938, ظهر المهندس غاي ستيوارت كالندار، الذي له بصمته في علم المناخ، وقد كان يهوى تجميع بيانات عن الإحتباس الحراري في أوقات فراغه. فقام بجمع قراءات درجات الحرارة من 147 محطة أرصاد جوية حول العالم. لم يقم أحد بجمع مثل هذه البيانات من قبل، وعندما قارنهم بالقياسات التاريخية لثاني أكسيد الكربون، اكتشف نمطًا واضحًا. لقد اثبت كالندار ان الاحتباس الحراري يحدث حقًا, بل واظهر ان لحرق الوقود الاحفوري على يد البشر جزء كبير في تسببه. تسمى هذه الظاهرة “Callendar Effect” على اسمه. رفض العديد فكرة أننا نحن البشر يمكن أن نؤثر على شيء ضخم مثل مناخ الأرض، بل لا يزال يصعب تصديقها بالنسبة للكثيرين حتى في يومنا هذا!
لنستمر لعام 1958، حيث كان زملاء الكيميائي تشارلز كيلينج يدرسون العلاقة بين الحموضة في المحيطات وبين ثاني أكسيد الكربون. حتى ذلك الحين، كان الاعتقاد السائد هو أن المحيطات تمتص بسرعة معظم ثاني أكسيد الكربون، لتخرجه من الغلاف الجوي. يتضح ان هذا لم يكن صحيحًا بحسب تجارب كيلينج.
قام كيلينج بالبحث عن بقعة بعيدة قدر الإمكان عن تلوث المدن والصناعة، ليذهب لوسط شمال المحيط الهادئ، تحديدا إلى بركان “Mauna Loa” النشط في هاواي. قراءاته هناك اثبتت أمرين; الأول أن تركيز ثاني أكسيد الكربون يرتفع وينخفض حسب الفصول، ولكن اذا نظرنا الى الصورة كاملة فنجد ان تركيزه اخذ بالازدياد مع مرور السنين, وهو الامر الثاني الذي أثبته.
بدأ كيلينج بنشر قرائاته في رسومات بيانية، ليظهر ما يسمى بعلم المناخ “Kneeling curve” وهو الخط المنحني لتركيز ثاني أكسيد الكربون الآخذ بالتصاعد.
بتلخيصًا للسنوات السابقة، فقد مرّ أكثر من 160 عامًا منذ أن اقترحت يونيس فوتيه سبب الإحتباس الحراري، أكثر من 80 عامًا منذ أن أظهر كاليندار أن النشاط البشري يؤثر على حرارة كوكبنا، وأكثر من 60 عامًا منذ أن أظهر كيلينج أن ثاني أكسيد الكربون يرتفع بمعدل ينذر بالخطر.
نرى اليوم, بتقاعس ما, تغييرات عالمية كثيرة بهدف الحد من الإحتباس الحراري. ولكن من الجهة الاخرى، نجد ان مكانة المرأة في العلوم لم تتغير كما وجب عليه. فحتى عام 2020, اقل من 30% من العلماء في العالم هن نساء!
ان انتقال العالم الى الاقتصاد الأخضر للخفض من تركيز غازات الدفيئة وتحقيق التنمية المستدامة يحتاج وقتاً طويلاً ويتطلب تعاونًا ثابتًا من كافة شرائح المجتمع. نظرًا لأن القضايا المتعلقة بعدم المساواة الاجتماعية والتدهور البيئي وعدم الاستقرار الاقتصادي لا تزال تشكل تهديدًا رئيسيًا للتقدم نحو عالم أخضر وامن مستقبلا، فإن لكل فرد دور يلعبه في تسريع حركة الاقتصاد الأخضر في جميع أنحاء العالم.
في ظل هذا المنظور، يتضح لنا بشكل حاسم الدور الذي تمارسه النساء والذي يعد دوراً أساسياً في هذه الحملة القوية لبناء مستقبل مستدام للجميع. فقد برزت نساء كثيرات على مر القرون وما زلن يقفن في الصدارة باستمرار.
لا تزال هناك حاجة ماسة إلى المزيد من القيادات النسائية في المجال لتسريع تحقيق هذا الهدف. لكي نصل إلى ذلك يتوجب على صانعي السياسات والقرارات المساعدة في تمكين المرأة وتقديم كل الدعم الحيوي لها لضمان حصولها على المساواة في الوصول إلى جميع الفرص المتاحة. ففي خضم التهديد المستمر لتغير المناخ ينبغي أيضًا اعتماد سياسات وتدابير رئيسية تتيح وتمكن المرأة من إتخاذ دور أكبر في جهود كل دولة للتحول إلى اقتصاد أخضر وبناء عالم أفضل للأجيال الحالية والمقبلة.
المقال الاصلي:
https://archive.org/stream/mobot31753002152491#page/381/mode/2up
https://www.un.org/en/sections/issues-depth/climate-change/
https://www.youtube.com/watch?v=gnw3Ly7c-zM&feature=emb_title