awscNote

إيلون ماسك: “نيرولينك” والذّكاء الإصطناعي

لا يمكننا أن نتحدّث عن التّقدم الهائل للتكنولوجيا من دون ذكر العبقري إيلون ماسك، رجل أعمال من أصول كنديّة وجنوب أفريقيّة، يقف وراء تأسيس عدة شركات رائدة منها شركة “Tesla” للنّقل المستدام والسيّارات الكهربائيّة، وشركة “SpaceX” الخاصّة المختصّة بهندسة الطيران، الفضاء الجوّي والرحلات الفضائية التّجارية. من خلال هذه الشركات، أظهر ماسك دائمًا عزيمته وإصراره، وقوّة إيمانه بطموحاته وخططه لصنع تغيير تكنولوجي عالمي، أو كما يعتبره البعض، ثورة تكنولوجيّة لا تقلّ عن سابقاتها.
آخر نجاحات ماسك كانت إطلاق شركته، “سبيس إكس” (“SpaceX”)، أول روّاد فضاء أمريكيين مستقلّين المركبة الفضائية “Crew Dragon” وصاروخ “Falcon9” إلى الفضاء من الأراضي الأمريكية منذ عقد من الزمن، وهي المرّة الأولى في التاريخ التي تقوم فيها شركة خاصّة بهذا العمل المميّز بتقنيّات عالية، بالقدرة الكاملة على التحكّم الذاتي وبالإستخدام التكراري.
تعدّد المواهب الخارقة لإيلون ماسك ستأخذ مقالنا لهذا الشهر إلى عالم مختلف نوعًا ما، يحمل موضوع آخر ولربّما ثورة أخرى. موضوع قامت الأفلام العلميّة الخياليّة بتسليط الضوء عليه في الكثير من الأحيان، ويطمح ماسك بجعله واقع من الخيال! ففي حين أنّ العالم ينشغل بقضيّة الاحتباس الحراري وإمكانيّة انقراض البشريّة، يهتم ماسك بشدّة بتهديد وجودي آخر؛ وهو تقدّم الذكاء الإصطناعي. * مؤتمتة أي Automated
“نيرولينك” (“Neuralink”)، هي شركة تكنولوجيّة ناشئة لتطوير تقنيّات عصبيّة والتي شارك ماسك في تأسيسها عام 2016، حيث يطوّر من خلالها جهاز “تواصل للجهاز العصبي” و المعروف علميًا بـِ”واجهة الدّماغ والجهاز” (“Brain-Machine Interfaces”) الذي يمكن زرعه في الدّماغ البشري.
تهدف هذه الشركة إلى تطوير آليّة تعمل على ربط الدّماغ مباشرةً بالحواسيب والأجهزة الالكترونية الأخرى، وذلك عن طريق أقطاب كهربائيّة. الجهاز الذي يتم تطويره يحتوي على 96 سلك بسمك 4-6 ميكرومتر (μm) أي أرفع من شعرة الانسان، كل سلك منهم يحتوي على 32 قطب كهربائي (“electrodes”)، أي 3072 قطب إلكتروني بالمجمل داخل شريحة واحدة بكبر 5 مليمتر. من خلال هذه الأقطاب الكهربائية يستطيعون جمع معلومات فيزيولوجيّة كهربائيّة هائلة في لحظة واحدة ومن أكثر من منطقة في الدماغ. هذه المعلومات ستُستعمل لفهم العقل البشري ولتطوير الذكاء الإصطناعي، بالإضافة إلى ذلك، هذا الجهاز سيسمح لعقولنا بالتواصل المباشر مع الحواسب الآليّة، بهدف التمكّن من تشغيل مناطق معيّنة في الدّماغ عبر هذه الأقطاب الكهربائيّة.
لكي نفهم الصورة بشكل أوضح؛ دعونا نتذكّر كيف تعمل أدمغتنا. الدّماغ هو العضو الرئيسي في الجهاز العصبي، فهو الذي يجمع المعلومات، يحلّلها ويسيطر على كيفيّة رد الفعل لباقي أعضاء الجسم وحواسه. يعمل الدماغ من خلال شبكة كبيرة من الخلايا العصبية (“neurons”) التي تتواصل عبر ناقلات عصبيّة في نقاط الإتصال المعروفة بإسم المشابك العصبيّة (“synapses”). يتم إطلاق هذه النّاقلات العصبيّة إستجابةً لتصاعدات كهربائية تسمّى جُهد العمل (“action potential”). فعمليًّا كل ما ندركه، نشعر به، نسمعه، نفكّر فيه ونفعل بحسبه هو في الأساس إشارات كهربائية.
من خلال إدخال خيوط أقطاب كهربائيّة دقيقة إلى داخل الدماغ، يمكن للـِ”نيرولينك” اكتشاف وتسجيل جُهد العمل وتحفيز الخلايا العصبيّة بشكل إنتقائي عبر مناطق مختلفة في الدّماغ. سيتم “زرع” هذه الخيوط بدقّة بواسطة الليزر (بدون حاجة لعمليّة جراحيّة) لتقليل الأضرار على الدّماغ ولضمان دقّة العمليّة. مُرفق لهذه الخيوط أجهزة إستشعار التي سيتمّ توصيلها لاسلكيًّا عبر تقنيّة “البلوتوث” بتطبيق ملائم عبر الهواتف الخلويّة الذكيّة.
بعد نجاح التجارب على الجرذان، ومن ثمّ نجاحها بتمكين قرد من التحكّم بحاسوب عن طريق “استخدام دماغه”، تُخطّط “نيرولينك” لإجراء تجارب بشريّة في هذا العام من خلال هذه التقنيّة، حيث يتمركز العمل حاليًّا على تقديم علاج طبّي لأمراض دماغيّة متعدّدة كالصّرع وأيضًا لتقديم المساعدة لأشخاص مصابين بالشّلل.
ولكن من المثير للإهتمام أن الهدف طويل الأمد الذي يعمل عليه إيلون ماسك هو مواكبة الإنسان للذكاء الإصطناعي الذي يمكّنه من التفكير بشكل أسرع من القدرة البشريّة، وبالتالي يمكّننا من “الإندماج” معه والتطوّر معه ومن خلاله.
في الحقيقة، يدّعي ماسك أن “البشر في هذا الحين هم كائنات مؤتمتة*”. مع اعتمادنا الكبير على هواتفنا، أجهزة الحواسيب والشبكات العنكبوتيّة وثورة الحوسبات السّحابية والتعلّم الآلي العميق، فإنّ الاختلاف الوحيد بين الوضع الحالي وبين التّكافل مع الذكاء الإصطناعي هو أن “معدّل البيانات” أو “سرعة الاتّصال” بيننا وبين الإلكترونيّات في الوقت الحالي بطيء للغاية.
من خلال تسهيل وصول سريع للمعلومات وزيادة القدرات الفكريّة، يمكن للـِ”نيرولينك” أن تتيح للمستخدمين نموًّا كبيرًّا في الإنتاجيّة وللذكاء الفكري بكبسة زرّ محوسبة واحدة. توسّعت النقاشات أيضًا للنظر في إمكانية إلغاء التواصل اللّفظي من خلال هذه التكنولوجيا المستقبليّة، مع إعطاء جدول زمني محتمل من خمس إلى عشر سنوات. إذا كنتم تشعرون ان ما تقرأونه الآن هو حلقة أخرى من مسلسل “Black Mirror”، فأنتم لستم الوحيدون!بطبيعة الحال، فإنّ القلق الرّئيسي لهذه التكنولوجيا هو الأمن، إضافةً لإختراق خصوصيّة الانسان (التي يمكننا التساؤل حول وجودها حتى في أيّامنا هذه مع ما تقدّمه وتأخذه كبرى الشركات الرائدة تكنولوجيًّا من معلومات). قد يكون إختراق هاتفك أو جهاز الحاسوب الخاص بك أمرًا مُزعجًا، ولكن عندما تؤثر التكنولوجيا بشكل مباشر على عمل دماغك، فإن المخاطر ضخمة أكثر بكثير. فيجادل العديد من علماء الأعصاب بأهميّة سنّ قوانين جديدة تتماشى مع هذا التقدّم من أجل حمايتنا، إذ أنّ القوانين الحاليّة ليست معدّة ومجهّزة لمعالجة مثل هذه الأمور وغير مواكبة لهذه التطوّرات على الإطلاق.

بالفعل، بدأت بعض البلدان بالتفكير بكيفيّة التّعامل مع ما أسموه “حقوق الأعصاب”. في دولة تشيلي على سبيل المثال، وافقت الحكومة في شهر أكتوبر من العام الماضي (2019) على توفير الدّعم الرسمي لأجندة حماية الأعصاب التي تجعل حماية بيانات الدّماغ حقًا من حقوق الإنسان. في أوروبا، تبنّت منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية (“OECD”) مجموعة من تسعة مبادئ جديدة لضبط وتنظيم إستخدام بيانات الدماغ – وهو النموذج الدُّولي الأوّل في هذا المجال.

إذن، هل أفرط إيلون ماسك وفريقه في طموحهم في هذه المهمّة الثوريّة؟ إذا لم نتمكن من التغلّب على الذكاء الإصطناعي، فهل الخيار الأفضل هو الانضمام إليه؟ لا يمكن إنكار التأثير الملموس للـِ”نيرولينك” على الجانب الطبّي، ولكن هل هو فعلًا الهدف الحقيقي من وراء هذه الجهود؟ كيف سيتطوّر استعمال هذه التقنيّة؟ وما هي الإستخدامات الإيجابيّة والسلبيّة الأخرى المتوقعّة؟. كيف لهذه التكنولوجيا أن تأثّر على مجاليّ التعليم والأبحاث؟ هل ستستطيع هذه التكنولوجيا من التغلّب على طبقيّة نسب الذكاء أم أنها ستخلق طبقية أكبر؟ من الواضح أنّ الـ”نيرولينك” تترك لنا أسئلة أكثر من الإجابات حول المسار المحتمل للتطوّر البشري. فلنواكب هذه التطورات بحذر وشغف!

“I think it is possible for ordinary people to choose to be extraordinary” – Elon Musk
“أعتقد أنه من الممكن لأشخاص إعتياديّين الإختيار بأن يصبحوا إستثنائيّين” – إيلون ماسك.

https://www.biorxiv.org/content/10.1101/703801v1
https://www.vox.com/2019/8/30/20835137/facebook-zuckerberg-elon-musk-brain-mind-reading-neuroethics

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *